هكذا أراني بداخل ذلك المكان المضئ.. أدندن بلحنة ما بينما أصنع ضفيرة لطفلتي المشاغبة.. فتركض بها زهواً إليك لتلتقطها قبلاتك.. وتصنع ضحكاتها لهذا المكان رنيناً مميزاً حين تداعبها لُطفاً.. وحناناً.
هكذا أرى قلبي.. مضاءاً بمصباح وجودك العتيق.. يصنع ضوءه دفئاً حانياً.. بينما يظل العالم خارج حدود قلبي بارداً.. وقاسياً.
هكذا سيكون بيتي.. ممتلئ ببساطته.. لا ضجيجَ لأثاث منمق أوأسّرة وثيرة.. لا زخارف تؤرق جمال الجدران التي تمتلك مساحات كافية لتضمنا بدفء.. فقط مزهرية بلون السماء تطل منها زهور ربيعٍ صغيرة.. تقبل ضوء الصباح كل يوم من نافذة مجاورةٍ لسعادتنا.
ستكتفي قطتنا بالإسترخاء أمام الباب لتؤدي واجب السلام لكل العابرين بإيماءة ناعسة.. وسيستقبل صوت أقدامٍ صغيرةٍ مسرعةٍ لأطفال فضوليين كلّ الزائرين.. بينما سأكتفي أنا بإغراقك شغفاً.. وعشقا.
---
سأطلعك على سرٍ ما.. أنا خائفة.
أخاف من يبوحون بأعماق قلوبهم أكثرَ ممكن يختبئون في أقبية الصمت.. أخاف اختلاجة قلبه حين يحدثني عن أحلامه.. عن أطفال عائلته.. عن كل ما هو سخيف ومبتذل وواقعي.. أخاف اعتصارها ليدي في صمتٍ مريبٍ اقتطعناه من يومنا الصاخب.. أخاف أن أعبر بداخلهم حين أجبرهم على الحكي والبكاء معي.. أخاف أن أتركهم في غفلة مني مهملين تنزف جراحهم غير مكتملة الشفاء.. أخشى أن تلمس يداي جدرانهم الهشة فأحيلها دماراً.. أو أن أترك بصمةً عابثة في خزانةٍ سرية في القلب فتظل هناك إلى الأبد.
كم يرهقني العابرون.. من ينطلقون في قلبي دون إحترام لخصوصية الحزن.. من يشيعون بوجودهم أُلفةً ما.. ينقبون عن منافذ البهجة لتعود الحياة إلى التدفق من جديد..
ثم ببساطة.. يرحلون.
كم تثقلني بقايا أرواحهم حين ألملمها لهم.. كم يرهقني الخذلان.
وكم أرتعد خوفاً أن أكون إحدى هؤلاء العابرون.. أترك ورائي بقايا لروحي ومزيداً من الجدران.
---
قالها ذات مرةٍ في فيلم ما.. "لن تكون الإجابة مهمة إذا سألت السؤال الصحيح"
وأتذكرها كل مرةٍ أقف أمام غباء سائلٍ ما.. أحتار بين إلقاء وابلٍ من السخرية على غباء السؤال أو التزام الصمت كما كان يفعل بطلُ أحلام.. وأنتهي دائماً بالتذمر لأننا لا نمتلك مهارة صُنع الأسئلة.. تلك التي تضع علامةَ استفهامٍ بداخلك لا أمامك.. تلك التي توصلك إلى أماكن ما كنت تجرؤ على الدخول إليها.. تلك التي تشعر أمامها أن الإجابة لن تشكل فارقاً.. فقد كان السؤال كافياً لتدرك الحقيقة.. كلّ الحقيقة.. دون ثرثرة متزايدة.. دون رياء الكلمات.
---
وأخيراً..
أتتساءل أحياناً عني؟ أتغمض عينيك كلّ ليلة لترى وجهي في ظلام عقلك الشارد؟ أتبحث عني بين كتبك وأشعارك ولوحاتك؟ أتفتقدني حين تستمع إلى موسيقاك فتذوب عشقاً ووحدة؟ أتركض خلفي في زحام أفكارك؟ أتضل الطريق مثلي؟ أتعود منهكاً يائساً وقد نفد منك الصبر والأمل؟ أتشعر بكل تلك الغربة فتملأ الهواء بالعطرلأجلي؟ أحقاً تنتظرني؟
.
.
.
لا داعي للقلق إذن.. فيوماً ما سأعود إلى قلبي.. لأجدك.