يسرا الهوّاري تغني "المزيكا ف المكان عالية وبالمظبوط" بينما يحاول هو إخفاء نظرةٍ غير معلنة الوجهة في عينيه.
أخي يخبرني أن والد أحد أصدقاءِهِ مريض، أسرع أنا لأساعده، أقف أمامهم مرتديةً قناعاً زائفاً لطبيبةٍ تعرف ما تفعل، القناع مثبت بإحكام مما يسمح بتكوين فوضى من القلق بداخلي، يعتذرون، الرجل عاجزٌ عن الحركة لكنه يصرُّ على الإبتسام، من يصدق أني أصلح للطب أصلاً؟ تخورُ قواي أمام ضعفه، يعتصرُ قلبي الوجع، وتتردد الإجابة المزعجة بداخلي: أبي يُصدق!
لست أحد فقهاءِ الحب ولا أعرف عنه شيئاً، كل ما هنالك هو أني تعلَّمت زرع الأمل، حتى وإن كان منتهي الصلاحية، لا بأس ببعض الهدوء الذي قد يتسلل إلى نفوس هؤلاء المساكين ليريحهم من الحيرة والتساؤل، الله كبير، هو جامع ذرات قلوبكم الصغيرة، بأمرٍ منه يُكتبُ عليها التشتُّت، وبأمرٍ منه أيضاً تنعم بالإكتمال. فأحسنوا الوصالَ مع الله يصلَ قلوبكم بما تُحب.
أما أنا، فلا أزرع أملاً بقلبي، لأن أرضه ممتلئة بسُّمِ الخوف، والظلامُ كثيف!
"أحبهُم جميعاً
لكنّ العتمة
تُغريني"
تقفز سوزان عليوان إلى رأسي دائماً، هي وصاحبة الرقص في ممرٍ معتم، وكل من يشاركهم صناعة الألم، أرفع دائماً عينيّ إلى السماء وأبكي، لماذا لم أمُت اليوم أيضا؟
توبّخني أمي، كنجمةٍ ستفقدُ ضوءها، وتزداد شحوباً.
يرمقني أصدقائي بنظراتٍ غاضبة، أتخيلهم يبكون، يصمدون، يتناسون، حتى يرأفُ النسيانُ بهم، فيمنحهم شفاءاً لكسورهم. فيبتسمون.
وكعادتي أردد، أُحبهم جميعاً، لكنْ.. لم يعد أي شئٍ يغريني.
لم أعتد نفسي مُقاتلة، لأني ذات مرةٍ قاتلتُ بضراوةٍ لأجلِ ما لا يستحق، فانتهيتُ بجروحٍ لا تزال تضخ الدم والوجع، ومتُ ذات مرةٍ .. كمداً.
ولم أعتد الوقوفَ في المُنتصف، لأني ذاتَ مرةٍ ضللتُ الطريق فلم أسأل أحد، صادقتُ الضباب وحده وعرفتُ خداعه، ولم أعُد منذ ذلك الحينِ أبداً.
قد يضعك القدرُ أمامي يوماً ما لتطالبني بحقِّك في قلبي، ستنتظر مني انتزاع سيوفي وخوض حروبٍ معك بلا درعٍ، وستتركني حين تُعقدُ هُدنةً ما بنتظارِك في المنتصف، وأنا أخبرك الآن أني خائفة. لن تمتلك قلبي لتطالبني بحقِّك فيه، وإن فعلت، فلن أخوض حروباً أخرى بجروحٍ لم تندمل بعد، وإن فعلت، فلن أنتظرك أبداً في المنتصف!
كل ما أريدُ منك أن تمتلكني بقوَّة، شرط ألا تغلبَ قوَّتُك لُطفَّك فتمزِّق قلبي سهواً، وأن تُرَّغبني في خوضٍ النزالِ لا خوفاً ولا يأساً، بل حُباً في الموتِ معك، وأن تشُّد على يديّ أينما ذهبت، مداعباً وحدتي بدوامِ الوَنَس، كل ما أريدُ منك ألا تمَّل الرقصَ معي، ولنترك للحياةِ صُنعَ البُكاء والضحك، ولنترك للجميع شقاءَ الخوف والضَجَر.
أتعرف؟ أكرَّهُني كثيراً.
وأكتُب، فأكرهني أكثر!
الجميع يعيد ترديد ما كنتُ أقولُ لهم، فأصيبُني عمداً بالصمم، الكثير من الآراءِ المُتضاربة، وأنا لا أريدُ سوى أن أحبُّكَ، لا أريدُ سوى أن أُعطيك، لكنّي أن أخاف أن تتعثَّر يداي في الطريقِ إليك، أو أن ترُّدها خائبة. فألا لعنة الله على الخوف والحُب معاً.
سيّدي، قد تُحاوِّل.. ظناً مِنك أني أستحِّقُ عناءَ المُحاولة، وسأحاول جاهدةً أن أعيدَ إليك صوابك لأريحُك، لكنْ صدِّقني، إن حاولتَ لأجلي مرّة سأحاول مرتين أو أكثر، وإن أقدمت على القتالِ لأجلي فسأُفسحُ لك طريقَ المرورِ إليّ، وسأصنعُ لكَ لحناً فريداً يصلَّح فقط للرقص بعد إعلانِ النصر.
ولتتذكّر دائماً..
الله كبير، إن أحسنت وصالَّكَ به، وصلّك بما تُحب، وأرضاك به.