وجهي، يشبهُ قطعة ثلجٍ على وشك الذوبان، يمتلئ ببثور تشبه تصوّري عن بعض الأشخاص على وجه الأرض، أتذكر وجهه الحيادي فتنتفخ أجفاني ببكاءٍ مكتوم، أستسلم لحقيقة الأمر وأتجنب مواجهته كلّ يومٍ في المرآة، أغسل وجهي مراراً بمياهٍ ساخنة علّه يذوب، ويختفي.
أقرأ لإيمان مرسال، فتنتابني رغبة ملحة لكتابةِ قصيدةٍ عنك، عن رأسي الممتلئة بأشباحك تبتسم إليّ -دائماً- بازدراء، ثم أقرأ لدرويش فأتذكر حزناً خبأته بحرصٍ تحت جلدي، فأفترش أرضاً تمتلئ بصورٍ مختلفة عني، لم تعد تشبهني بعد الآن.
يوماً ما سأحكي عنك، لحيتك التي تشبه ذكرياتٍ متمردةٍ على قوانين الإزالة، تستعصي على الشفراتِ الحادة، عينك المختبئة بحرص، تحت واجهةٍ زجاجيةٍ للقسوة، وابتسامتك التي لا تصلح لصناعةِ قوس قزح، بل تشبه مطراً صيفياً يباغتني وسط الصخب والجفاف، دائماً.
كان يمكنني أن أصيرَ قدّيسة بسهولةٍ بالغة، أوزّع أزهاراً بيضاء على المحرومين، وأصنع كعكاتِ حب دافئة لا تصلح سوى لشفتيك، لكنّي توقفت عن الإدعاء، خلعت عنّي ردائي الطويل، وارتديت ثوباً ضيقاً، يشي ببياضِ جسدٍ اعتاد الإختباء وادعاء الخجل، دون أن يستحي فعلاً، وقفت أمامك، غاضبة، باكية، وشهيّة.
كان يمكنني أن أخبرك ببساطة أن قلبي ممتلئ بالكنوز التي تحتاج لأناملك السرية كي تكتشفها كلّها، ولذلك ربما لا أسمح لأحد باللإقترابِ مني، لكني تركت نافذتهُ على مصراعيها -عمداً- كي تختلس النظر، وتكتشف بنفسك فقري المخبأ بعنايةٍ وسط أكوام من الندم.
كان يمكنني أن أحبك كما تقول أميمة -أكثر-، وكما تغنّي فيروز بعشق، لكني ظللت أردد "أنانية، وحقيرة" واختبأت وحيدة أعض على أناملي، وأبتلع دموعي مراراً، وأرى ثقباً شديد الظلمة آخذ في الإتساع..
لكنّي تركتُك كعادتي، وحيداً.
كنت أريد أن أكتب الشعر حتى أعدل عن استخدام ضميرٍ للغائب، يشير بإصرارٍ إليه، كنت أريد أن أضبطه ملتبساً، يرى الأسهم تشير إلى الإتجاهاتِ كلّها، فأضحك لأني أكتشفت غباءَه ببراعة، لكني ظللت أكتب على سطرٍ واحد، وأكرر الحروف فتسقط المعاني بين يديّ الجميع واضحة، وقحة، ومباغتة.
وظلّ هو -كعادته- يتعثّر ولا يعرف أين يمكنه أن يقتلني ببطء، دون أن أكشفه.
لم أكن أدرك -حين امتلأت عينها بالدموعِ فجأة- أن البكاء يمكنّه يؤذيني بتلك القسوة، كنت أردد باستياء أني قبيحة، حين كانت تحكي عمّا بها دون أن أمتلك الشجاعة الكافية لأن أقطع حديثها وأسألها كيف يمكننا أن نمتلك أرواحاً بذلك الثقل، وقلوباً كقلوبنا، منكسرة دائماً، لكن الحائط كان صلباً، وبارداً، وبدا كأنه أنسب مكانٍ يمكنني أن أترك رأسي فيه دون قلق. دون أن يؤرقني التساؤل ثانية.
وصلتُ إلى هنا، هنا حيث البدايات تبدو ساذجة وسخيفة، محمّلة بنتاجِ عامٍ ونصف من الدوران الذاتي والدُوار، وصلتُ أخيراً، حيث أدرك أني لم أكن يوماً مقاتلة، ولا أصلح سوى للكلام، ولذلك ربما أعود دائماً إلى ذلك الثقب الأسود، هنا، هنا نفسها، هنا الأبدية.