2014-09-18

غَيْث.


كنتُ أريد وصف الصداع النصفيّ المزمن..
كدليلٍ وحيد
على أن العمليات الكيميائية في مخّي الكبير
تسيرُ بشكلٍ منضبط.
كنت أنوي أن أبدأ: 
يداي لا تكفيانِ لإسناد رأسي.
لكنّي كتبت:
أن تمزق طلقة من مسدسٍ مجهول
استقراراً معتماً
تشوّش عظيم
تصدُّع
وارتطام شظايا ليس بينها سابقُ معرفة..
اللّذة أيضاً..
أن تنتفض مواضِعُ الإحتكاك بمجرد التذكُّر.

تباغتني إيمان مرسال من اللامكان، وسط الكتب المتزاحمة فوق مكتبي، القراءات المؤجلة والأخرى الحتميّة، بين كلّ شئ، أرقص معها في ممر معتمٍ لا أرى فيه موضع قدمي، أغفو دائماً لأرى مسوخاً ترتدي السواد وترقص هي الآخرى، بوجوهٍ ضاحكة وعيونٍ متربصة، فأرسم لأتخفف من الصداع والضجيج.
لا أكتب، لأنه سيبحث بحرص بين الكلمات عنه، وقد يمسك بجملة هاربة من النص تخبره أني لا زلت أذكره وأتألم، وبالرغم أني أعرف كيف يمكن أن أكتب دون أن يتمكن أحد من قراءتي، إلا أنني أخجل من نفسي، ومنه، فأصمت. 
لا زلت -بدأبٍ- أبحث عن سعادة، ويصر الجميع على إثباتِ أنها محض اختيار، فأختار بحرصٍ، متناسية ماضٍ من الإختيارات السيئة، وتاريخ طويل من الخوف والضجر، أختار بحرص أن أظل في مساحةٍ صغيرة دافئة، تبعد عن الجميع بنسبٍ متساوية، تمتلئ بأشيائي العبيطة، وألواني المتضاربة، والكثير من الموسيقى والكتب، ظللت أحاول الإختيار بحرص، بين أمور تصير رمادية ما إن تقع عليها عيني، فألجأ إلى العقل لحساب نتاج السعادة من بينها، دون إهتمام حقيقيّ، ودون أن أشعر بفرق فأظل أمضي إلى الأمام ولا أفكر، ولا أبحث عمّا قد يقع مني سهواً، لذلك كانت تبدو الإختيارات كلّها مريحة، ومتساوية، ولذلك -على الرغم من كلّ شئ- بكيت.
قد أحاول في تمرينٍ كتابي قادم وصف ضيق التنفس كما حاولت إيمان وصف الصداع النصفي المزمن، وأكتب كيف يدفعك شعور بالثقل إلى رغبةٍ ملحة لنزع جلدك البالي والقفز من مرتفع عالٍ علّك تعرف طريقاً إلى الهواء، أو يعرف الموت طريقه إليك.
ثم تنتفض مواضعُ الإحتكاك، بمجرد التذكَر.
تجلس أمي قبالتي، بهدوء لم أعتده، لا تقاطع صمتي، ولا تحاول، تخبرني فقط بأنها قد يئست، ولم يعد في يدها أي حيلة، أبتلع صمتي بصعوبة، وأحاول أن أنطق، فلا أجد الصوت وتختفي الكلمات كلّها فجأة، صحراء جرداء، حارّة، بلا ظلٍ يقيني ويقيها بُعد المسافة والألم، وبلا قطرة مياهٍ واحدة، تصير هي هاجر، عجوزٌ تائهة، وأصير أنا كما أنا، بلا نبوّة أو كرامة، لا شئ يتفجّر تحت قدمي سوى المزيد من البكاء، والعطش. 
تحتضنني بشدّة، وتنتظر.. ودائماً ما تُمطرُ في النهاية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

:)

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....