2014-10-01

تمرين كتابي - 5

كان القدر سخياً أكثر من اللازم تلك المرة، فبعد أن قضى أكثر وقتهِ في تجنّب عينيها، وجد نفسه أمامها، وكان عليه أن يقفز بداخل المصعد قبل أن يغلق بابه الحديدي في وجهه دون أن يروي قلبه المتعطّش إليها، شوقاً.
كانت تقف بجانبه، بعيدةٌ كلّ البعد عن قلبه، أقرب ما يكون من جسده المرتبك، ظلّ محدقاً في الفراغ، في اللاشئ، في لحظة بحجم ثقبٍ في عينها اليسرى اعتاد أن يرى من خلاله العالم.
وقف صامتاً، يخذله فمه كلّ مرة، ويعض شفتيه في تبرّم. 
كان عليه أن يخبرها أنه يفتقدها، بتلك البساطة، يهمس بصوتٍ خفيض ويقول "وحشتيني" كما كان يفعل، قد لا ترد، وقد لا تسمع، وقد لا تكونُ هي هنا من الأساس بل عقله يداعبه مداعبةَ سخيفة، لا يهم، سيحاول أن ينظر بطرف عينيه كي يتأكد أنها هي، لكنّ تصلب رقبته الفجائيّ جعله يعدل عن خطتّه، أغمض عينيه وحاول أن يضبط أنفاسه المتسارعة، يعرف أنه قد فقد السيطرة على قلبه منذ أن أوقعه في شراكها أول مرة فلم يحاول تهدئته، سيخرج من علبة الجحيم تلك وسينسى، سيتلحف بصمته وسيغني لغضبه أغنية رقيقة حتى ينام، أو يدفنه رغماً عنه في ثقب ما بعقله، ثقب صغير يشبه ثقب عينها اليسرى الذي اعتاد أن يرى انعكاسه الضاحك فيه.
لم يمتلك ما يكفي من الوقت أبداً ليسألها عن السبب، أو لا يسألها أبداً بل يتركها تتحدث وفقط، سيستمع إلى كلّ كلمة ويبتسم، دون أن يعي ما يفعل، فقط سيشعر بذلك الخدر اللذيذ يسري في أوصاله، وبذلك الشفق الأحمر بداخله يتوهّج، وينتشر.
كانت عينه معلّقة على الأرقام تشير إلى اقتراب وجهته، مالذي يمكنه أن يفعله الآن؟ هي بجانبه، ولن يمكنه أبداً أن يختطفها من أعين الناس ومن يد الزمن المتحرّك بإصرارٍ إلى الأمام، هي بجانبه، لا تسمع لصدام أفكارهِ صوتاً، ولا يمكنه أن يلمس يدها خلسة، لن يفيد أبداً ولن يصدقه أحد حين يخبرهم أنه الحنين، والوجع الذي يجبره على البحث بيأسٍ عمّا فَفَد.
وصل المصعد أخيراً، فتح بابه ليلفظه وأفكاره خارجاً، لكنه لم يتحرك، أوشك على أن يقول شيئاً، فتح فمه أخيراً.. قائلاً بجزع:
"أنا.. .. .. بكرهك"
وخَرَج.

هناك تعليق واحد:

:)

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....