نميل دائما وبدون قصد إلى الغرباء .. الأحاديث العابرة غير المؤذية .. الأشياء الصغيرة التافهة التي ننساها في غمرة انشغالنا بالحياة وأشيائنا المهمة ومواعيدنا المزدحمة .. نجد الراحة مع رفيق سفرٍ عابرٍ في قطارٍ ما .. أطراف حديث مع شخص لا تعرفه في صالة انتظار .. ثرثرة تافهة عن رطوبة الجو ومدى زحمة المواصلات و الأجور المرتفعة والمسلسلات التي تتخم بها أجهزة التلفاز .. تثرثر عن الأدب والفن والشعر إن حالفك الحظ والتقطت مثقفاً يقرأ .. يختفى وراء نظارته وصفحات كتاب قد لا يثير عنوانه اهتمامك .. وأحياناً نتطرق إلى أماكن أخرى .. في فضفضة كما نحب تسميتها .. أحيانا نسمح للغرباء بالدخول إلى تلك الأماكن التي لا يعرفها سوانا ولم تطؤها أقدام أخرى من قبل .. نتحدث .. نتألم .. وربما نبكي .. فقط لتيقننا بأننا لن نقابل ذلك الشخص مرة أخرى .. لن ترمقنا عيناه طوال الوقت في محاولة جاهدة لاقتناص الفرصة ليعرف .. لن نضطر إلى إخفاء ما يمكن إخفاؤه من مشاعرنا المضطربة أمامه كي لا يكتشف سبب شرودنا .. لن نضطر أن نهتم برأيه فيما قلنا أو فيما نفعل .. هي فرصة نادرة لتكون أنت دون أي أحكام أو ضغوط أو اهتمام أو محاولات .. لتترك أثراُ في شخص ما قد يزول وقد يبقى .. لتشعر براحة ولو قصيرة لأنك لم تكن وحيداً .. ولو للحظات ..
" ذات مرة .. أخبرتني أنها أُجبرت بعد خذلان متكرر على العزلة .. حتى صارت anti social .. وصارت تصادق النادل والسائق وأطفالاً تقابلهم في طريقها صدفة بدلاً من تعاملات طويلة المدى .. لأنها علاقات لا تصيبك رأسك بدوار المشاكل .. ولا توقعك في دائرة الخذلان "
" أخبرني ذات مرة .. أنه لو تعثر بي صدفة في قطار مسافر وتبادلنا الثرثرة .. لم يكن ليغادر القطار دون أن يحصل على رقم هاتفي .. والبريد الإلكتروني على الأرجح .. رغم أني كثيراً لا أجد نفسي that interesting .. لكن كلماته علقت بذاكرتي .. كما أني لم أسافر في أي قطار بعد "
"وكانت بيننا رابطة .. دم
أكتب لأنها تؤرقني .. رغم أنها مرت .. بكل تفاصيلها .. بكل الألم .. رغم أن الطريف أني لم أكتب عنها من قبل .. فقط لم أستطع لأنها كانت تدمي أناملي التي تحاول العبث بتلك الأشواك الحادة .. إلى أن استعنت بمن يمكنه أن يضمد يدي لتتمكن من احتمال الألم .. لتتخلص من كل ما علق بنفسها إلى الأبد ..
من الصعب التخيل .. أن يمتلك شخص واحد من الذكاء والحيلة والخبث ليتمكن من التدمير .. ليكتشف نقاط الضعف ويضرب بقوة .. ليتقن فناً مريضاً لا يجيد سوى التسلل والقتل بهدوء مريح .. من الصعب التخيل أن تنقلب حياتك رأساً على عقب دون مبرر واضح سوى شعور بالنقص .. بارانويا مختلة .. رغبة في الإطاحة بكل ما هو جميل .. أن يرغب شخص ما بأن يجعلك مثله .. وربما أقل .. يخرج الأسوأ فيك .. يقتل عزيمتك .. يقنع عقلك الباطن بأنك لست سوى ذرة غبار أمامه تعبث بها الريح .. لا .. ربما هو من يعبث بها .. من الصعب التخيل أن تعيش مأساة كاملة .. وحدك .
من الصعب أن تمر تلك الأيام وتجاهد كي تنساها فلا تفلح .. أن تخرج بجروح تهدد حياتك وحين تلمح شبحاً تحاول الإستناد عليه فتسقط من الإعياء .. أن يظل يطاردك الظلام كلما هربت إلى مصباح صغير .. أن تظل تصرخ وتتألم وتهرب .. أن تذهب عنك ابتسامة لازمتك في أحلك أوقاتك لتستبدلها بجانب مظلم كئيب يخرج أفكاراً مشوهة .. أن تعتاد الخذلان من البشر ولا يؤلمك وجودهم .. بل وتعتاد خوف لازمك من كل إنسان جديد تدخله حياتك .. فتلك الندبة الأبدية ستظل قابعة لتذكرك بأن رابطة الدم لم تفلح في الحفاظ عليك .. وتعلمك ألا تأمل برابطة صداقة أو حب أو ود أو زمالة أن تعطيك أكثر .. أو حتى أن تؤلمك أكثر .. "
أثر رجعي ..
الحياة ليست سهلة .. وصدمتنا الأولى على قدر قوتها تعطيك فكرة كافية عما يمكن أن تقابله فيها .. ودائماً تكون صدماتها التالية ليست سوى أثر رجعي لصدمة واحدة .. كبيرة كفاية لتشعرك بالعجز .. وصدمات أخرى صغيرة تعيدك إليها دوماً .
-----
على الهامش :
أن تبتسم في بلاهة في نهاية فيلم رومانسي عبيط .. أن تضحك لأن ميج رايان كانت تحب زهورك المفضلة في الفيلم نفسه .. أن تتساءل عن ذلك المجهول الذي سيعيد كل قطعة بداخلك إلى مكانها الصحيح وينال جائزته الثمينه لأنه قد وجد حل البازل المعقد .. أن تشعر برغبة عارمة في الإستماع إلى أغنية هادئة تتحدث عن حب أبدي يدوم طويلاً .. ثم تضع مواصفات تعجيزية لفارس أحلام وهمي لن يأتي أبداً .. كلها مؤشرات تدل على أن حالتك العاطفية بخير .. وبأن وقتك الذي يبدو فارغاً من كل الأعمال المهمة كفيل بتشتيت ذهنك عن التفكير في كل تلك الأمور الرومانسية العبيطة .. وبأنك على خير ما يرام .. فقط تشبث بتلك الفكرة .. واضحك في سخرية .. و اطلب من الحاضر أن يتحملك بكل سخافاتك وسخافاته .. فأنت لست سوى عابر ثقيل الظل مستنى الفرج .
3arfaha bta3t " el nadel" de :D
ردحذف7lwaa :)
انا ازاى بقالى كتير اوى ماجتش هنا !!!!
ردحذفو كالعادة بخرج من عندك مبسوط باللى قريتة :))
احسنتى يا ضحى :))