2013-07-19

على ما يُرام..



فتغني فيروز "وما حدا نطرني.. " فقط لتوجع قلبي أكثر..

هي حالة أخرى من حالات التتنيح المصاحبة للمذاكرة.. تلك التي تظل فيها أمام الكتاب فاغراً فاك كالأهطل محدقاً في اللاشي الذي لا يبدو على غير العادة مملاً.. على الأقل ليس أكثر مللاً من فعل المذاكرة المقيت..
تبدأ في السرحان غير المبرر وتبدأ تلك الأفكار المخصصة لمثل تلك الحالات في العبث داخل عقلك.. كأن تتذكر ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه مع صديق لك لتعيد تجسيد الموقف وتحكم على صديقك بالغباء لأنه حتى الآن صديقاً لغبي مثلك.. أو أن تتذكر بدون مناسبة شعرها الأملس.. مع أنك لم تره أبداً.. وأحياناً لا يكون هناك فتاة من الأساس.. لكنك تحلم بشعر أملس وعينان لامعتين من باب تضييع الوقت لا أكثر..

تزهق فترمي الكتاب دون أن تنتبه إلى رقم الصفحة لأنك مذاكرتش حاجة أصلاً.. تُعد كوباية شاي أو نسكافية كمبرر مؤقت للمذاكرة.. -أو على الأصح- عشان تقوم من على الكتاب.. تتذكر فجأة أنك في رمضان وأن الفجر عدّي من بتاع 5 ساعات كده.. فتعدّل خطتك وتتوجه إلى البلكونة.. 


تغني فيروز "بكرة اذا ذكروا العشاق.. ضلوا تذكرونا.." فقط لتذكرني بخيبتي التقيلة..

الجو منعش.. ذلك الهواء البارد يلامس جبهتك ويقبلك بخفة.. لم تصل الشمس إلى مستواها الرأسي بعد لذلك يمكنك أن تستمتع ببعض دفئها الذي ترسله إليك كتحية صباح رائعة.. كوعد منها أن تمدك بكل الدفء الذي تريد إن حرصت على وصالها كل صباح.. تشعر أن العالم يمر بحالة من حالات السلام النفسي النادر.. فقط لأنك بعيد عن كل الضوضاء وكل عبثٍ غير مُجدٍ للبشر..
تغرق في اللحظة فتدندن مع فيروز وهي تشدو بصوتها الملائكي.. حضورها في رأسك يضفي على اللحظة مزيداً من الهدوء.. وعلى قلبك مزيداً من الوجع الخفي..
"لا بأس.. أنت بخير الآن.. اجترت المرحلة الصعبة ولم يبقى سوى بضع خطوات حتى النهاية.. هي مادة واحدة وتخلص.. هانت بس انت متكسلش.." صوت ضميرك يفسد عليك كلّ شئ كلّ مرة.. فترد بتذمر "سيبك مني يا حج الله يرضى عليك واسكت شوية".. يسمع الكلام فيلملم عتابه وحكمته.. ثم يصمت.


.... صوت موسيقى وعزف خفيف على عود شرقي يحكي قصة ما.. عن عاشق بيروت..

ضجيج رأسك كما هو لم يتغير منذ كنتَ طفلاً.. الأسئلة المُلحة ذاتها.. صوتك الذي يرتفع أحياناً ليجبر الآخرين على أن يستمعوا.. وبرغم ذلك لا أحد يستمع.. فيخفت صوتك وتصمت أسئلتك مع مرور الوقت وإن كانت لا تزال تزعجك بدورانها الممل في تلك العلبة العظمية الضيقة.. تأتي أسماء ووجوه وأماكن وأحداث وتنزل على أم رأسك زي القضا المستعجل.. تلعن المذاكرة في سرك لأنها السبب وراء كل ذلك.. فلو أنك كنت قاعد مرزي بتذاكر زي بقيت الخلق لما خرجت تلك الوحوش والأشباح من مكمنها لتفترس تحية الشمس الصباحية وتقلب مزاجك رأساً على عقب.. شيت يعني.
تحاول أن تستدعي قوى العقل والحكمة وكل فلسفتك المحنطة من ساعة مبطلت تفكير وبدأت مذاكرة.. تنظر إلى الجانب المشمس في الأمر.. أنت على خير ما يرام.. يو كيكد ذير آسيس تو هارد.. سيحترقون في قاع جحيمك الخاص لأنهم مش فارقين خلاص.. وأنت الآن رغم تدهورك الدراسي منذ عامين تمكنت أخيراً من اثبات أنك الأقوى في اللعبة.. حين وجدك ما هو أكثر أهمية من سباق سخيف يحدد الأفضل تبعاً لرقم لا يقل سخافة.. لأن الدنيا بقت أحسن من غيرهم.. ده أكبر انتصار.


.... صوت موسيقى وعزف خفيف.. إيقاع سريع يهدأ تدريجياً.. إيقاع هادئ يسرع تدريجياً.. يحدثك عن عيون ريتا المذهلة..

تعرف أنك ستخرج من مأساة ضجرك بالقراءة.. تتذكر روايات أحلام المختبئة في فولدر يحمل اسمها المميز.. تشعر للحظة أن الهارد وير بتاعك كنز كبير.. تزهو للحظة لا يراك العالم فيها فتزداد زهواً عشان دي فرصة مش هتتكرر تاني.. تختار فوضى الحواس وتبدأ في القراءة لتسمح لها ببعثرة حواسك على رصيف المشاعر.. توزع أحلامك في أزقة الحب وتعبث بذاكرتك كعادتها.. لتفعل بك ما شاءت.. دي أحلام يابني.
تتذكر وأنت تقرأ كتابات صديقتك*.. تلك التي صرت تشعر أن أحلام تشبهها لا العكس.. فتحاول أن تعرفها أكثر خلال معرفتك بأحلام.. أو أن تتعرف إلى أحلام من خلالها.. تتذكرها ذلك اليوم الأغبر حين كان وجهها صامتاً وابتسامتها غارقة في القلق.. تتذكر كم كنت تتمنى لو انتهى ذلك اليوم الأغبر على خير عشان ترجع تضحك وتثير في نفسك الأمل والتفاؤل كعادتها.. ثم تعود إلى تلك الدائرة مرة أخرى لتتساءل.. أتحبها لأنها تشبه أحلام؟ أم لأن أحلام تشبهها؟ 


.... صوت موسيقى.. آلة ممتلئة بالشجن لا تعرف اسمها.. تثير بداخلك حريق صغير يصنع خيوط دخان رفيعة.. مُلوّنة.. 

تُدرك أنك تُحب قلبك أكثر مما ينبغي.. تبالغ في الحفاظ عليه خوفاً من الخدش.. إكراماً لساكنٍ مجهول سيدخله ذات يوم.. تحاول أن تُبقى عليه نظيفاً مُرتباً بلا آثار ندبات أو بقايا حُطام.. تتندر حين تتذكر عجزك عن السماح لأحد بالدخول إليه فتردد وأنت تضحك "لا مؤاخذة.. أصل الباب محشور".. ثم تبدأ في سرد قصتك الحزينة حين قرر أحدهم الدخول ثم ما لبث أن عاود أدراجه بعد بضع خطوات بداخله.. كيف أنك رزعت الباب في وجهه بقوة حين استدار ليعتذر.. ومن ساعتها والباب محشور.. لأن بابك قديم الطراز.. من اللي بيزيق وهو بيتحرك ده.. ليس من تلك الأبواب السهلة التي تُفتح بمجرد رؤية أحدهم يقترب.. والتي أحياناً كثيرة يستغلها الحمقى باللعب أمامها كالأطفال.. حينما يكتشفون الخدعة.. وكيف أنها سريعة الفتح.. سريعة الغلق.. هبلة..
لذلك على الراغب في الدخول ألا يطرق الباب وينتظر.. عليه أن يدفع بقوة.. بإصرار وعزم.. وعلى الأرجح أن الباب لن ينفتح بمجرد دفعه بقوة.. وتلك الحكمة في كونه محشوراً.. فعليك أن تقابل قوة الدفع من الخارج بقوة شد من الداخل.. وانت بصراحة مكسل تشد.. مكسل تقابل رغبة أحدهم في إعطائك برغبة في الأخذ منه.. تسمح لفيروز باحتلال أذنيك طوال الوقت حتى لا تسمع.. كى لا تُطالب بالرد.


.... صوت موسيقى.. العود وحده يرقص على أوتار قلبك فيصنع منها لحناً لا يصلح للرقص.. يصلح فقط للعشق.

الحب كائن مغفل.. والحمقى من يستمعون إلى كلّ شئ دون إعمال عقولهم فيه.. الغباء إنك تذاكر لما تكون مش عاوز تذاكر.. والحُمق كل الحُمق أنك تذاكر أصلاً.. لكنه حُمق ضروري لا بد منه.. كذلك الذي يدفعك كل مرة إلى الابتسام في وجه شخص تمقته.. وذلك الذي يجبرك على أن تصير شخصاً بقشرة مزيفة لا تمت إلى داخلك بصلة just to fit in .. لكنها الحياة.. كما قال غسان -بتصرف- "اتزحلق اذا كنت عاوز تعيش."

الآن يمكنك أن تترك ضميرك ليوبخك وتتحالف معه لتردد أنت الآخر "قوم يا فالح.. اتنيل ذاكر!"



*صديقتي المميزة.. كليكاية هنا

هناك 4 تعليقات:

  1. دودو عرفت الصديقه من غير ما اعمل كليكايه :) :)
    المهم حلو الفضفضه دى بقى وحلو الباب المحشور دا عاجبنى
    زودى على دول مقطع منير( ينفع احبك من غير قلبى) عشا الحشره الى بتقولى عليها دى
    وهنخلص بقى متقلقيش <3 <3 <3
    :) :) :) :) :)

    ردحذف
    الردود
    1. متردوا عليها وعليا.. <3 <3
      يااارب يا مي :D

      حذف
  2. :D
    انا اذ فوجئت بعد الكليكاية :))

    اول ابتسامة تترسم على وشى بعد اليوم الاغبر النهاردة <3

    وعجبتنى اوى حتة الباب المحشور ;)

    ردحذف
    الردود
    1. الناس كلها عرفتك من غير كليكاية أصلاً :D
      مبسوطة إني رسمت الابتسامة دي على وشك.. يارب دايماً. :))

      حذف

:)

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....