أكره القمر حين يصير مكتملاً، يذكرني بأنه في أقصى حالاته جمالاً، يبدو أكثر إنارة مما ينبغي ثم تكتشف ضعف ضوءه حين يسقط على يدك فلا ترى تماماً، كمال زائف سرعان ما ينقص تدريجياً حتى يتلاشى، يخيفني القمر أحياناً، تماماً كما يصيبني خوف سخيف كلما فتحت دولاب الملابس، لأضبط دبّي القطني محدقاً باتجاهي، متربصاً، مستعداً للإنقضاض عليّ.
لذلك لا أفتح أبداً دولاب الملابس في الظلام.
ميم تنعزل عن العالم، وتظن أن ذلك أفضل، ترسل لي دائماً متمنيّة لي بداية جديدة، بداية أفضل، هي تدرك تماماً أن مصير الأشياء هو الزوال، تعرف أن النهاية حتميّة، ولذلك ربما تعتقد أن أفضل ما يمكن أن تقدمه لأحدهم هو بداية جديدة، أفتح مذكرة أهدتها لي وأكتب، دون أن أكترث لجمال الأسلوب أو لردائته، أنظر إلى الغلاف المصمم بعناية، وأتساءل، من أين يأتيني كلّ ذلك الألم؟ ولماذا تبدو الحوائط جميعها رماديّة، بالية، لا تصلح للإتكاء؟
ابتسامته تدفعني إلى البكاء، وإصراره على الإحتفاظ بأشياءه الصغيرة يفقدني قدرتي على التماسك، لماذا يثق فيّ هكذا؟ ألأنه يعرف أني أرى انكساره حين أختفي ويتوقف عن الإدعاء؟ أم أنه حقاً أكثر بساطة مما أظن؟ لا يهم، سأظل محمّلة بأوجاعه وأستمر في المضي قدماً، مختبئة في فقاعة هشّة أسميتها "القرار الصحيح"، وقد لا أبكي ثانية وأصير بخير دون سبب واضح، أو تفسير.
أدور في فلك ثابت و طويل، لا يكفي عادة لإصابتي بالدوار، لكنّه كافٍ وأكثر لأموت مللاً بانتظار نهاية لا تأتي، وراحةٍ تسبقني دائماً بضع خطوات قصار.
يتشاجران، ويستعدّان للهجوم، أبتسم في بلاهة مؤمنةً بأني لن أصاب بأذى، فقط حين يخرج أحدهم أداةً حادة أرتجف، لكنّي أكتفي بالإختباء في مقعدي وراء السيدة المجاورة، وأتجنب النظر في عينيّ أحد، الخوف خاص وفاضح، وحين أموت أخيراً، لن أسمح لهم بالولوج من تلك النافذة، لن ير أحد روحي وهي ترتجف، أبداً.
عرّف الجمال، والخفّة، دون أن تسرد في الوصف فتستنفذ منّي أسباب الجمال، أو تتهمني باليأس والثِقل!
يخبرونني بأني أهرب، في الوقت الذي أسد فيه منافذ الهروب كي أتوقف عن الركض، وأصدم رأسي بالحائط، عمداً.
تطلب منّي أن أتماسك، لكن من منا لا تستهويه الإنهيارات المدوّية؟ خاصّة حين يكون المتفرّج أحمق مثلي!
يهتم لأجلي، فيطالبني بزيارة طبيب ما، أرد دون أن أتساءل عن دواعي الإهتمام المفاجئ، مقتنعة أنها الوحدة والصمت المطبق، أو ربما انقطاع الكهرباء المتزايد.
أفتقد البهجة، والأحلام الملوّنة، والشعور الخفيف لقلب متسارع فرحاً ونشوى، أفتقد الكثير.
لا تزال أمي تحنو عليّ حين أخبرها بأني مُتعبة، لا زلت أحاول أن أتجنب القفز من سور الشرفة بالقراءة، والفتور المتزايد بيننا بالضحك، وثقل الذنب بالدعاء، وافتقاد الوَنس بالثرثرة على الأزرار، شئ واحد فقط تغيّر، شئ واحد أفقدني التوازن، لم يعد ذلك القلب يعرف ساكنيه، أو يؤمن بأن الأيدِ المتشابكة لمسافاتٍ طويلة ممكنة.
*الباذنجانة الزرقاء-ميرال الطحاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
:)