نقف، أنا وأنت، سوياً، بمواجهةِ ما أسموه القَدَر.
كنتُ أقف وحيدة أمام واجهةِ متجرٍ زجاجيّة حين رأيت انعكاسَ وجهك المبتسم، انتظرتُك كثيراً، لكنّك لم تهتم وتلاشيتَ بسرعة، لم أكلف نفسي عناءَ الإلتفاتِ والبحثِ عنك، رغم أني ظللت أشكو وجع الإنتظار، وأعاتبُكَ بمرارةٍ على نسياني.
كنتَ هُنا، بالقربِ مني حين أوشكتُ على الوقوع، استندتُ إلى الحائط وشاركتني البكاء، لم يكن الحائط كافياً لينسيني أن يديكَ لن تتمكن من احتواء خوفي بعد الآن، لكنّك على الرغم من ذلك، كنتَ بالقرب مني، تنظُر إلى روحي الباهتةِ بحُبٍ، وجَزَع.
حكيتُ لك عن السماء والسحاب الذي يشبه حبات فشار مبعثرة، وعن شجرة البازلاء والفُل وقط الجيران، عن الفراشات التي تتطاير من حلمي فجأة لأن الشياطين ترقص، وعن الوحدة، عني، حينَ أقف بمواجهةِ الموت أخيراً، فأصلّي، أتلمس جبهتك بأنامل مرتعشة، أبكي، وحين تنظُر إليّ بعدَ إفاقة، لتخبرني أني كنت أحب الأشياء إليك، أبتسم، وأدعك لتغمض عينيك في سكينةِ.. وهدوء.
لن أوّدعك بالنحيب، سأعدّ الموسيقى والقهوة للملائكة، أحدثهم كثيراً عنك، وسأحضر لهم خصيصاً بعض الكعك وأوصيهم أن يحتضنوا روحك برفق.
وحين أغضب، وأتذكر كيف تركتني وحيدة، لن أزور مقام قبرك، فقط سأمتنع عن وضع الزهور في الماء كما كنت تحب، سأتركها للذبول كما تركتني لوجع فقدك وآلام الشيخوخة، كي تأتيني في المنام معاتباً، تخبرني كم افتقدني، فأمسح دموعي وأعيد الحياة لأزهارِ روحك، سأحبك كثيراً، وأعدك ألا أجزع.
فقط أريد أن أريك كيف يكون العالم بين يدي محبباً وصاخباً، ثم غاضباً ومظلماً، لأنكمش فجأة في كرسي صغير يختبئ في أحد الأركان، فتلتقط بكائي وتلملم دموعي المتساقطة بين كفيك ببطء، تكون أنت الكرسي، والحائط، والركن الصغير الذي يصلح للإختباء، فأطلب أن تتركني أنام هنا، وهنا فقط، فتغنّي لي كما لم تفعل أمي أبداً، كي أسكن.
الآن، تنظر إليّ فترى فتاةً ممتلئة بالتناقض، تضحك وتبكي في آنٍ واحد، تُسرع بالهرب إلى المنزل فلا تمتلك فرصة كافية لإلقاء التحيّة وبدء حديث سخيف عن الطقس والضجيج، تضيع منك محاولة أخرى للتسلل إلى عينيها لعلّك تعرف متى تُشرق الشمس فعلاً، لعلك تفهم كيف يمكنك أن تحملني على قولِ "نعم"، بثقة، والأهم من ذلك، أن أقولها بحُب.
لكنك تقف هناك، وحدك، بعيداً، محدقاً إليّ بعينين شاردتين، تسجّل لحظاتٍ تمر برتابة دون أن تنظر إليّ فعلاً أو تلتفت، متعللاً بقدرٍ والتواءاتِ طُرقٍ لا تلتقي أبداً.
أما أنا فأقف هُنا، في مكان ما، وحيدةً، بعيدة، أحدث نفسي بمخاوفٍ لا أمل منها، يشاركني القلم فقط معاتبتك، وتنطوي أوراقي على سرّك، وأستمر في البكاء، لأني سأقضي وقتاً لا أعرف فيه متى يصل بيننا حرفُ عطفٍ صغير، متساءلةً متى ستدرك حقاً أني بحاجةٍ إليك!
ولن تأتِ على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
:)