هل تذكرين أول مرّة اعترفتِ فيها بكرهك للإنتظار؟ أظن أنها كانت قصيدة لدرويش تحكي عن انتظاره لها، لم تأتِ، قُلتُ ولن، شئ من هذا القبيل، لكنّك تجاوزتِ الأمر بسرعة، أم يجب علينا أن نقول "اعتدته"؟
لم لا تتوقفين عن التذمر؟ سيغلق باب المصعد الآن وما هي إلا لحظاتٍ قصار وسيتحرك ويصل وينتهي الأمر. ونبدأين رحلةَ انتظارٍ جديدة.
آهٍ، كم كان يكره أن أخاطب نفسي بتلك الطريقة، أن أنفصل عنها وكأننا لا نسكن جسداً واحداً ونُعذّب بالأفكارِ ذاتها، لم أتذكره الآن؟ مرّ وقتٌ طويل منذ أن شعرت بشئ داخلي يحترق، إذ يمضي الوقت فنفترق، ونمُد الأيدي.. اللعنة! عليّ أن أتوقف عن قراءة الشعر قليلاً، وإلا جُننت.
مهلاً، أحقاً ما أراه؟ هو.. يقف أمامي.. الآن!
لا مكان أهرُب إليه، لو حاولت الخروج لأطبق باب المصعد عليّ بلا رحمة، وإن نجوتُ منه فسأصطدم حتماً به، ماذا أفعل الآن؟ أين أختبئ من عينيه؟ إلى أين ألجأ هرباً من.. من نفسي!
لا أصدقه، دخل وكأنني لستُ هنا، يقف بجانبي دون أن يجفل، دون أن يتهاوى، لا أصدقه، يتركني الآن لأتهاوى وحدي، ليتساقط المطر بداخلي، ساخناً، يغلق بقسوةٍ مظلّته ويجري وحده دون أن يكترث.
أتراه يفكّر فيّ الآن؟ يفتقدني ربما؟ لا.. لا أظن، صرتُ له كالساحرة الشريرة التي تضحك بنصف فم، بشعرٍ أشعث وقلب متآكل، خذلتُه، ورَحلتُ دون أن أترك له بعض الحلوى، سرقت ضي روحِه دون سبب، امتطيت مقشتي البالية، وطرت.
تكرهين الإنتظار؟ ها أنتِ ذا تنتظرين حيث لم تتوقعي أبداً، بجانبه، تقفين لأول مرّة بموازاته، دون أن تحضن كفّه أناملك المرتجفة.
ستصلين إلى وجهتك، وسيخرج، دون أن يلتفت، وستبكين كما لم تفعلي أبداً لأن دفاعاتِ روحك -تلك التي تختبئين خلفها- لم تُجدِ أبداً معه، أحالها رماداً بنظرةٍ واحدةٍ، وأحالَك فوضى، وترك قلبك لانحناءه الدائم، يبحث -بيأسٍ- عمّا فقد.
انفتح باب المصعد أخيراً، تنفسي! سيخرج أخيراً تاركاً كل هذا الحزن والأكسجين لكِ وحدك، لم لا يتحرك الآن؟ أيدرك ما يجول بخاطرى فيقف إمعاناً في إذلالي؟ أحقاً كنتُ بتلك القسوة؟ أحقاً تؤلمه جراحهُ بتلك الشدّة؟
"أنا.. .. .. بكرهك"
صوتُه مُنكسِر، ودافئ. يكرَهُني أنا، ذلك الظل المبتعد عنّي في ثباتٍ يكرهني أنا، أنا الواقفة هنا يتعلّق قلبي بأطرافِ ثوبه متوسلاً، مبتعداً بثباتٍ معه، يكرهُني هنا، حيث لا يرى عينيّ وأختبئ في كتفهِ الأيمن، يُحبّني هُناك، حيث يشعر بأنفاسي تداعب وجهه، ويختبئ العالم في ثقب عيني اليسرى، أكرهُني هنا، حيث لا أركُض خلفه، وتنغلق الأبوابُ كلّها في وجهي، وأسقط -رُغماً عني- إلى الأسفل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
:)