أدور وأغرق ف الإيقاع .. رغم أنه لا يوجد إيقاع حقيقي لما يحدث .. لا يوجد ولو حتى موسيقى خفيفة لصوت فايولين في الخلفية .. ولا حتى بضع سلالم موسيقية لبيانو ولو معطوب .. بل هو إيقاع آلة درامز صاخبة وقعت صدفة في يد عازف سئ ذو مزاج عكر اكتشف خيانة حبيبته للتو فقرر عقابها بإصابتها بالصمم !
لا شئ حقيقي فيما يحدث .. هو فيلم سخيف تدور أحداثه برتابة .. أشخاص غرباء يقومون بدور أصدقائي .. ندى ومنار ومريم .. ممثلون ممتلئون بالكآبة والألم .. اقتنصوا أدواراً أحبها بجنون لخفتها وحبها للحياة والضحك .. وأشخاص غرباء أيضاً .. يقومون بباقي الأدوار .. أبي الذي صار نحيفاً فجأة .. أمي التي لا أراها سوى صدفة قبل الإفطار حين تطلب مني مساعدتها في عمل السلطة .. أخي محمد الذي اكتسب سمرة غير عادية ولم يعد يتحدث معي كسابقاً .. وأخي الصغير الذي خرج فجأة من صومعة الثانوية العامة ليدخل في صومعة اكتئاب حاد مصاحب لتكشيرة طويلة ملازمة لوجهه وصارت إحدى علاماته ..
أعرف المكان .. أرى الوجوه .. لكني أعجز عن إدراكها .. لا أتمكن من استيعابها .. لا أعرف لم صارت الحياة غريبة وكل من أعرفهم تحولوا .. أم أني أنا الغريبة في المنتصف ؟! .. ربما ..
أقع كثيراُ هذه الأيام في دور لا أعرف إن كنت أجيده أم لا .. أتحدث كثيراُ بصوت امتلأ بثقة عمياء بحقائق لا يراها غيري . غيبيات لا أعرف عنها شيئاً وأدرك تماماً أنها احتمالات قد تخطئ وقد تصيب .. لكني أملؤ فمي بالتفاؤل وباطني بالأمل والدعاء ألا يخذلني حسي الذي لطالما خذلني .. أقف مساندة مشجعة مطمئِنَة .. أقوم بواجب صداقة حتمية ولا أتذمر لأني أحبهم .. وأحب تلك الرابطة التي تجمعنا .. أذكرهم بإيمانيات وأبعث فيهم اليقين برب العباد الذي لم يخب فيه رجاء .. أشعر بالغرابة .. أتذكر أياماً كنت لا أنقطع عن البكاء والتذمر .. أتذكر دموع أمي لوردتها التي صارت ذابلة بلا رغبة ف الحياة .. أتذكر تلك الأوقات الضيقة المظلمة حين كنت أتمنى من الله ألا يطيل بقائي ليريحني من الألم .. أشعر بالغرابة لأن حديثي لم أبحث عنه في كتب ولم أتكلفه .. أشعر بالغرابة لأني لم أكن أعرف أن بداخلي تلك الثقة بأن الخير مقدرٌ حيث كان .. وذلك الإيمان بأن الفرج قريب .. كل ما عليك هو أن تتحلى بالصبر .. فالله لا يخذل أبداً عباده الصابرين ..
Flash Back
"أجلس في أحد الأركان منطوية على نفسي .. أبكي بصوت عالٍ .. أهتز بحركة منتظمة .. أشعر بالظلام يحيط بي .. أشعر بالكآبة تفترسني .. واليأس قد تملك كل ذرة مني .. أجد تلك النفس التي ضاق بها جسدي تصرخ "يارب افرجها بقى" .. ثم أنتظرأياماً .. وأعود إلى الركن الضيق ذاته .. وإلى البكاء نفسه .. أشعر بخيبة لا يمكنني احتمالها .. وأسأله " ليه الفرج اتأخر كدة ياربي .. ليه " .. أحاول أن أختفي .. فأنتهي بيدي تعتصر جسدي من الألم "
أتساءل عن حقيقة الإيمان .. أقرأ في كتاب ينبهني إلى حقائق لم أدركها من قبل .. يضعني في مواجهة تساؤلات ملحة .. وأين أنا ؟! .. أجدني أغرف في بحر من الإجابات غير المفيدة .. أصطدم بجدار .. أنا لا أعرف أين أنا .. لا أشعر منذ فترة طويلة بتلك الأنفاس التي تدخل رئتي كل يوم .. لا أجد راحة في صلاتي .. أجد في داخلي سخط على نفسي وأقبعه .. أدعي أني أحاول إصلاحه .. وحين لا أجد النتيجة المرجوة أتذمر فأنا أفعل ما يكفي .. أو ما ينبغي فعله .. أشعر بضباب كثيف لم أكن أراه .. كأعمى فقد بصيرته وارتدت فجأة .. فصار كل شئ غريباً .. لم يعد أي شئ كما كان .. أو كما اعتاد أن يكون .. أصطدم بالجدار ثانية .. كنت عمياء والآن حين أبصرت لم أجد إلا الضباب .. غيوم كثيفة لم تختلف عن العمي .. لكن الفارق الوحيد .. هو أن العمى كان ينسيني حقيقة ضلالي .. والآن أدركها وأراها جلية وإن كنت لا زلت لا أبصر الطريق ..
كل مشكلاتي تبدو تافهة .. كل ما أبكاني يوماً يخرج لي لسانه ويضحك في خبث .. أنتِ بلهاء .. هكذا كُتب على جدار آخر اصطدمت به صدفة دون قصد .. وحفرة أخرى من التساؤلات وقعت فيها .. عما حدث وما كان ولم وكيف وما ولماذا وإلى أين .. أدوات استفهام لا تيأس ولا تكف عن إزعاجي بما ورائها من أسئلة ..
عقلي الصغير الشاسع .. توقفت تروسه منذ عدة أيام فشعرت بأنه فارغ .. لا أسمع صوت الزن لتلك الماكينة المعطوبة .. ولم تعد أفكاري المشوهة تذكرني بذلك العطل الذي ينبغي إصلاحه .. أشرد في مكان آخر لا أحب أن أستكشف معالمه .. يكفيني الشرود ويكفيني الغرق .. إلى أين يمكن أن أصطحب عقلي الصغير الشاسع إلى مكان أكثر هدوءاً من اللاشئ .. لا مكان أفضل .. هكذا تركت عقلي بحيرته وأسئلته وصدامه واخطاؤه وتروسه المتوقفة عن العمل .. إجازة كاملة .. أخطئ في الأسماء وأتوقف فجأة في منتصف الكلام وأعجز عن تذكر ما كنت أقوله .. أجبر من يسمعني على لعب كلمة رتب جملة مفيدة لأكتشف أني لست هنا ولست هناك ولست في أي مكان .. أنا لا أعرف من أكون ولا إلى أين أذهب .. هم من يخبروني .. ومن هم ؟! . أنا يضاً لا أعرف ..
أنام بكثرة .. وأتذكر كل شخص قابلته في حياتي .. أرى أخطائي وتبدء نفايات اللاشعور في الظهور .. لا زلت أركض من أشخاص لا أعرفهم يركضون ورائي ولا ينوون الخير .. لا زلت اراه أحياناً وهو يبتعد مولياً ظهره .. لا زلت أراها وأوبخها وأخبرها الحقيقة التي أتمنى يوماً أن تعرفها .. ولا زلت أرى نفسي ضعيفة هزيلة لا تقوى على الحراك .. ودائماً أستيقظ برأس مثقل وعقل شارد وبلا رغبة حقيقية في التنفس ..
كلعبة امتلكتها ذات يوم .. بعجلات أربعة وقطعة صفيح ملونة تعتليها .. يحركها زمبلك تديره عدة مرات لتسير اللعبة على قدر اللفات كما حددت لها .. لم أحركه كما ينبغي في البداية .. وحين حركته أخيراً وسارت اللعبة اصطدمت بحائط وبقيت عجلاتها تدور بلا فائدة .. والآن بعد أزماتٍ كثيرة قرر الزمبلك أن يمر هو الآخر بأزمة .. ليعاقبني على خطأ آخر اقترفته دون قصد حين اخترت طريقاً مسدوداً ولعبة بسيطة لا تمتلك كفائة الشقلبة وإصلاح اتجاهها من تلقاء نفسها كباقي اللعب الحديثة المعدلة ذات الإمكانيات .. والآن أنا واقفة أمام ذلك الزمبلك المقموص قليلة الحيلة .. لا أتذكر كيف كنت أديره لأن عقلي شارد .. غارق في متاهة أكبر .. يحاول أن يجد إجابات لأسئلة أهم .. أكثر أهمية بكثير من تفاهة لعبتي الصغير .. تلك اللعبة التي أسميتها
"حياتي" !
"حياتي" !