خذلني
وكأنَّ قدميَّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاقِ
----
كلما رأت بداخلها تلك الثقوب تتمزق .. تتسع .. تظهر ما لا يسر من خبايا نفسها المظلمة .. مالت على جروحها في محاولة لإخفائها .. وربما لتمنحها فرصة لتلتئم .. لتحاول أن تحيكها دون أن يلحظ أحدهم فيذكرها بشعور اسمه الألم .. يزداد انحناؤها مع كل ثانية .. حتى صارت تشبه قوقعة منسية .. نسيها الناس ولم ينسها الألم .. !
----
ما مدى صعوبة ذلك ؟!
ما مدى صعوبة أن أترك مُهملة ولو لبضع لحظات ؟! ..
فقط لحظات قصار ..
أشعر فيها براحة نسبية ..
ما مدى صعوبة ألا يراني أحد الآن .. ولو لثانية واحدة .. لينصرف مبتعداً كأن لم تلتقي عينانا في توترٍ قلق ؟!
----
نفدت لدي الشروح .. التفسيرات المنطقية والغير منطقية لحالتي .. لم أعد أذكرني .. لم أعد أفهمني .. لم أعد أعرف حتى نفسي حين أنظر في المرآة .. سأظل أنعي ذاتي السابقة وأحاول أن أصلح الجديدة لأشبهها بالأخرى .. سأظل أبتسم خجلاً حين يمدحني أحدهم وأحزن حتى النخاع حين أعرف أني قد أغضبت الآخر بغير قصد .. سأظل أبحث عمن يحتويني .. وسأظل أبكي غياب المرشد الموجه في حياتي .. سأبكي كثيراً كلما تذكرت احتياجي لسماع صوت الشيخ الشعراوي .. شعوري الملح في مقابلته .. الحديث معه .. والبكاء بلا توقف من أحزان نفس تؤرقني .. وأبتسم في أمل لدنقل في كلماتي .. سأظل أقرأ بحثاً عن ذلك الذي يلمس نفسي من الداخل .. من يساعدني على فك طلاسمها النفسية الغريبة .. من يشعرني أن على هذه الأرض بحق ما يستحق الحياة .. سأظل أوفي لأصدقاء لم يخذلوني ولم أنل منهم سوى الإبتسامة .. وأضحك لأني أخطو على الرصيف بخفة كالأطفال كمن تصنع نغمة موسيقية مع كل خطوة دون أن آبه بنظرات المارة .. سأظل أتذكر الأسفلت وكم كان صديقاً مخلصاً طوال سنوات .. وسأظل أنتظرك بصبر ورضا بلحظات سعادتي القصيرة معك .. لن أنسى أن أرسم كل يوم .. و أن أقرأ كل يوم .. وحتماً لن أنسى أن أقف للحظة وأتذكر .. كيف كان عالمي قبل أن يصطدم كطائر بزجاج .. !
----
ربما لم يكن عليّ أن أختار بونوكيو ليكون صديقاً لي في تلك الأيام .. لأنه لا يعرف حتى الآن من المعاني سوى الأنانية .. وربما سأنتظر حتى نهاية القصة .. حتى يصنع القدر حبكته الدرامية ويصير بونوكيو أفضل .. وحينها سأظل أضحك لأن التغيير ممكن .. وسأظل أصفق حتى تتورم يداي لمشهد النهاية .. ذلك الذي يصير فيه بونوكيو طفلاً حقيقياً وليس مجرد دمية فظة بلا أخلاق .. أو مشاعر !
----
إلى الإحتمالِ أعتذرُ ، من تسميتهِ ضرورة
وإلى الضرورةِ بدورها ، لعلي أخفَقت .
أيتها السعادة لا تغضبي ، إن أنا استأثرت بكِ
وليُسامحني المَوتى ، حين لا يَخطرون إلا ومضاً
إلى الزمن أعتذر ، لغمرة ما يفوتني ، كلَّ ثانيةٍ من العالم .
أعتذرُ إلى حبٍ قديم ، من معاملة حُبٍ جديد وكأنه الأول .
سامحيني أيتها الحروبُ البعيدة ، لأني إلى بيتي أحملُ الأزهار
واغفري لي أيتها الجراح المفتوحة ، وخزةَ الإصبع .
من اسطوانة رقصة المينوبت العتيقة أعتذر
إلى أولئك المستجيرين بي من الهاوية
وإلى أولئك الذي يداهمهم ، مُرهقين في المحطات نومُ الخامسة صباحاً
اغفر لي ، أيها الأملُ المطارَد ، ضَحكي أحياناً
ويا صحارى سامحيني ، لأني لا أهرع إليكِ بملعقةٍ يملؤها الماء
وأنت أيها النسر ، أيها الطائر الوحيد في القفصِ ذاتِه لسنوات
أيها المحدق ، ساكناً ، نحو البقعةِ ذاتها
برئني ، وإن كنتَ طائراً محنطاً .
أعتذر إلى شجرة صُيّرت طاولةً بقوائمَ أربع .
أعتذرُ إلى الأسئلة الكبرى ، من إجابات صغيرة .
أيتها الحقيقة ، لا تُعيريني الكثيرَ من انتباهك
أيتها الجديَّة ، كوني معي شهمة
ويا لغز الوجود تحملني ، حين من حجابك أنسلُ خيوطاً .
أيتها الروح ، لا تلوميني لأني لم أدرك فيكِ سوى القليل .
أعتذر إلى كل شئ ، لأني لا أستطيع أن أكون في كل مكان
إلى الجميع أعتذر ، إذا أعجز أن أكون كلَّ رجلٍ وامرأة
أعلم أنَّني ما دمت على قيد الحياة ، لا شئ يشفع لي
ما دامت نفسي عقبة في طريقي
لا تؤاخذني أيها القول ، إذ أستعير كلماتك الطنانة
وأشقى لجعلها خفيفة .*
----
وإليكم أعتذر .. لأني لم أكتشف بعد السبب .. !
----
* ترجمة سوزان عليوان لقصيدة " تحت نجمة صغيرة بعينها "
للشاعرة فيسوافا شيمبورسكا