2013-08-23

غُربة..


هكذا أراني بداخل ذلك المكان المضئ.. أدندن بلحنة ما بينما أصنع ضفيرة لطفلتي المشاغبة.. فتركض بها زهواً إليك لتلتقطها قبلاتك.. وتصنع ضحكاتها لهذا المكان رنيناً مميزاً حين تداعبها لُطفاً.. وحناناً.
هكذا أرى قلبي.. مضاءاً بمصباح وجودك العتيق.. يصنع ضوءه دفئاً حانياً.. بينما يظل العالم خارج حدود قلبي بارداً.. وقاسياً.
هكذا سيكون بيتي.. ممتلئ ببساطته.. لا ضجيجَ لأثاث منمق أوأسّرة وثيرة.. لا زخارف تؤرق جمال الجدران التي تمتلك مساحات كافية لتضمنا بدفء.. فقط مزهرية بلون السماء تطل منها زهور ربيعٍ صغيرة.. تقبل ضوء الصباح كل يوم من نافذة مجاورةٍ لسعادتنا.
ستكتفي قطتنا بالإسترخاء أمام الباب لتؤدي واجب السلام لكل العابرين بإيماءة ناعسة.. وسيستقبل صوت أقدامٍ صغيرةٍ مسرعةٍ لأطفال فضوليين كلّ الزائرين.. بينما سأكتفي أنا بإغراقك شغفاً.. وعشقا.

---

سأطلعك على سرٍ ما.. أنا خائفة.

أخاف من يبوحون بأعماق قلوبهم أكثرَ ممكن يختبئون في أقبية الصمت.. أخاف اختلاجة قلبه حين يحدثني عن أحلامه.. عن أطفال عائلته.. عن كل ما هو سخيف ومبتذل وواقعي.. أخاف اعتصارها ليدي في صمتٍ مريبٍ اقتطعناه من يومنا الصاخب.. أخاف أن أعبر بداخلهم حين أجبرهم على الحكي والبكاء معي.. أخاف أن أتركهم في غفلة مني مهملين تنزف جراحهم غير مكتملة الشفاء.. أخشى أن تلمس يداي جدرانهم الهشة فأحيلها دماراً.. أو أن أترك بصمةً عابثة في خزانةٍ سرية في القلب فتظل هناك إلى الأبد.

كم يرهقني العابرون.. من ينطلقون في قلبي دون إحترام لخصوصية الحزن.. من يشيعون بوجودهم أُلفةً ما.. ينقبون عن منافذ البهجة لتعود الحياة إلى التدفق من جديد..
 ثم ببساطة.. يرحلون.
كم تثقلني بقايا أرواحهم حين ألملمها لهم.. كم يرهقني الخذلان.
وكم أرتعد خوفاً أن أكون إحدى هؤلاء العابرون.. أترك ورائي بقايا لروحي ومزيداً من الجدران.

---

قالها ذات مرةٍ في فيلم ما.. "لن تكون الإجابة مهمة إذا سألت السؤال الصحيح" 
وأتذكرها كل مرةٍ أقف أمام غباء سائلٍ ما.. أحتار بين إلقاء وابلٍ من السخرية على غباء السؤال أو التزام الصمت كما كان يفعل بطلُ أحلام.. وأنتهي دائماً بالتذمر لأننا لا نمتلك مهارة صُنع الأسئلة.. تلك التي تضع علامةَ استفهامٍ بداخلك لا أمامك.. تلك التي توصلك إلى أماكن ما كنت تجرؤ على الدخول إليها.. تلك التي تشعر أمامها أن الإجابة لن تشكل فارقاً.. فقد كان السؤال كافياً لتدرك الحقيقة.. كلّ الحقيقة.. دون ثرثرة متزايدة.. دون رياء الكلمات.

---

وأخيراً..


أتتساءل أحياناً عني؟ أتغمض عينيك كلّ ليلة لترى وجهي في ظلام عقلك الشارد؟ أتبحث عني بين كتبك وأشعارك ولوحاتك؟ أتفتقدني حين تستمع إلى موسيقاك فتذوب عشقاً ووحدة؟ أتركض خلفي في زحام أفكارك؟ أتضل الطريق مثلي؟ أتعود منهكاً يائساً وقد نفد منك الصبر والأمل؟ أتشعر بكل تلك الغربة فتملأ الهواء بالعطرلأجلي؟ أحقاً تنتظرني؟ 
.
.
.

لا داعي للقلق إذن.. فيوماً ما سأعود إلى قلبي.. لأجدك. 

2013-08-12

الآن يمكنني أن أراك




انتظرتك كثيراً ولم تأتِ.. انفجرت أمس كالقنبلة النووية ولم تكن بجانبي لتلملم شظاياي وأركاني المتحطمة غضباً.. لماذا تقسو عليّ هكذا؟
الجميع يتحدثون في أذني فأبحث بداخلي عن لحظة صمت واهنة لأنجو من رماد العالم.. لكن الضجيج يظل يطارني.. حتى أمي طاردتني بالأسئلة عن أدويتي التي أهملها وصحتى التي أبعثر فيها كما لو أنها ليست ملكي.. ظللت مطاردة حتى مللت الهرب.. وانتحرت استسلاماً.
أتعرف ما المضحك في الأمر؟ أن تدرك أن عليك الرحيل.. عاجلاً أم آجلاً.. درءاً للوجع.

تعلو الموسيقى في أذني.. أغنية بلا كلمات.. إيقاع بلا ضجة ينساب رقيقاً إلى داخل روحك ليلمس مواضع الألم.. فتهدأ.
أكتشف عبثية الكلمات حين أنصت إلى لحنٍ ما.. الآن يمكنني أن أراك .. وأكاد أجزم أن أفواهنا تلك خلقت لصنع القُبَل.. لا للكلام.
كم تمنيت لو تعثر بك طريقي صدفة لتكتمل أمسيتي المضطربة.. فأقضي ليلتي أقاسمك حزناً وبكاءاً.. وموسيقى.

عدت.. أخيراً.
كانت الطاولة تشاركني انتظارك.. تقتل الوقت بمشاهدة فيلم ما.. وتثائب بين الحين والآخر.. 
بينما ظل التلفاز يعرض ذلك الفيلم بيأسٍ.. وضجر.
النافذة وحدها قبلتني بنسمة باردة.. كأمل.
واحتضنني سريري حين بُحت إليه بسر خيبتي الصغيرة.. 
وحدها الأشياء لا تبوح بأسرارك.. وحدها الأشياء تمتلك دفئاً كهذا في غيابك.

لا تأتِ.. ليس الآن..
لم تعد الروح صالحة لاستقبالك.. لازلت أرمم أركاني إثر انفجاري الأخير.. 
ولا داعي للقلق.. فقط سأمعن في افتقادك وأتذمر كثيراً.. سأشكو الوحدة وستطاردني أفكاري حتى الموت..
سأحارب جيوش الحزن بمنحتي الإلهية من الشيكولاتة والموسيقى.. فعلى عكس الجميع.. وحده ربي يعرف كيف يرسل إليّ سعادة كبيرة في لحظاتٍ كتلك.. بلا مقابل.

.
.
.
.

2013-08-09

السابع شمال.




مشهد واحد: 

الفطار قبل الأخير.. رمضان ولّى ولن يعود قبل أن تكمل الأرض 365 دورة أخرى حول نفسها كالعبيطة.. الوقت تنين شرس يجب صفعه بقوة كي يتعلم الأدب ويمشي واحدة واحدة.. النفس لم تتطهر كاملاً بعد.. حالة السلام الداخلي لم تشعر بها منذ فترة طويلة وانقضى رمضان قبل أن تستعيدها مرة أخرى.. توقفت الهمة مع يأس الرحيل.. وفقدان الأمل المؤقت في فرصة أخرى غير التي ضاعت بسبب الكسل ثم الكسل ثم الإمتحانات اللعينة.. 
يباغتك والدك بنظرة اهتمام وتقضيبة وجه مصطنعة.. يسأل عن أخبار الكلية.. ثم أخبار تلك الـ"أستغفر الله العظيم" النتيجة.. تباغته بذكاء وترد عليه بسرعة بأنها لم تظهر بعد لكن شخص ما أكيد جابهالك.. يحاول أن يداري ضحكته فلا يفلح.. يتظاهر بالإنشغال بالأكل ولا يرد.. تلح ف السؤال فيوقع قلبك ف الأرض.. وبنفس اللامبالاة.. لا يرد.

----

مشهد اتنين:

سحابة كثيفة من الأفكار اللامنطقية تعلو رأسك.. يتصاعد منها دخان محترق إثر سخونة غير مألوفة في الجو.. تتابع المشاهد من نافذة التاكسي أمامك في لامبالاة غير مألوفة.. تخرج من أذنك سحابة اخرى لفكرة قلقة لتنضم إلى السحابة الكثيفة التي تعلو رأسك.. تتمتم بدعاء ما.. تنظر من النافذة في أسى.. العالم ممتلئ بالبشاعة والقمامة.. والذباب.
تصل إلى مبنى الكلية.. المكان خالٍ من تلك الكائنات البشرية المألوفة.. مما يجعل الموقف غير مألوف بالمرة.. تشعر بضجيج في الأعلى فتدرك أن أفكارك بدأت في التصادم وما هي إلا ثوان قصار وستُمطر هذياناً.. وغباءا.
ثم..
إنها تلك الزغزغة بداخل قلبك.. سعادة تأتي من اللامكان.. تتبخر سحبك فجأة ويعلو رأسك رينبو ملوّن.. تسمع دقات قلبها المتسارعة وأنت تخبرها بالنتيجة.. يخرم صراخها السعيد طبلة ودنك فلا تهتم.. تتطاير الفايروركس من هاتفك وتغرق في بحر لا ينتهي من الكرم الإلهي.. يظل قلبك يردد الحمد لله.. وهو يعنيها بحق.
من كان يصدق أنك ستشعر بكل تلك السعادة لنجاح غيرك؟ دون أن تشعر بفرح لنجاحك أنت.

----

مشهد تلاتة:

امرأة تحمل طفلاً وتمسك يد الآخر.. امرأة أخرى تقبل طفليها وتدعو لها ربنا يخليهم.. تتأمل المشهد في صمت محاولاً ألا تطيل النظر كي لا تثير الريبة.. تتمنى لو تقبل أنت الآخر طفليها وتتمنى لها السعادة وتدعي ربنا يرزقك زيهم.. لكنك سرعان ما تطرد الفكرة اللامنطقية من رأسك.. فأي امرأة ستقبل أن يقبل غريب طفليها ويتمنى لها دوام السعادة؟ رغم أن القبل والدعاء أرقى الأفعال الإنسانية  إلا أنه المنطق لما بيستهبل.
سائق التاكسي لطيف تلك المرة.. يعطيك نص جنيه وهو يبتسم هامساً "عشان تبقى مرضي بس" .. رغم أنك لم تتذمر ولم تجادل في الأجرة.. تتركه يأخذ ما يريد لأنك تقدر أن مهمة توصيلك إلى أي مكان مهمة سامية.. فالهم العام يصيب حتى الطيور باليأس ويملؤهم بالهم فلا يشعرون بأي رغبة في تحريك أجنحتهم بحثاً عن لقمة العيش.. منذ أن صارت لقمة العيش تحت باند ميشين امبوسيبول والعمل في مثل تلك الأجواء السياسية المقززة يندرج تحت باند الأعمال البطولية.
أو ربما لأنك تعرف كل ذلك بإضافة أن الجميع يستغل الهم العام لحساب مصالحه الشخصية وعلى استعداد لأن يأخذ منك كل شئ حتى ملابسك لو أتيحت له الفرصة.

----

مشهد أربعة: 

السابع شمال.. تتذكر أنها أخبرتك أن الجرس معطل.. لكنك معانداً تضرب الجرس على أمل أنه يكون اتصلح بمعجزة أو بلمستك السحرية.. تصاب بخيبة أمل صغيرة حين تكتشف أنه معطل حقاً.. فتضحك من نفسك لأن منطقك الموقر از ريلي فاكد اب ذيس تايم.. تستخدم الطريقة التقليدية في الخبط على الباب قائلاً في سرك بصوت عالٍ ياهل الله ياللي هنا.. فلا يفتح أحد.
ينفتح الباب بعد الخبطة الثالثة.. تقابلك بابتسامتها العذبة.. وتتعانقان.
تخبرها بسعادة عن النتيجة.. تجد الريآكشن نفسه يتكرر.. تلك السعادة التي تملأ الجميع وتعجز أن تملأ نفسك الصامتة المريبة.. تدرك أنك خذلت نفسك للمرة الألف خمسومية وستاشر.. فردة فعلك على ج تساوت مع ل ثم أخيراً مع م.. لا شئ سوى ذلك البوكر فيس المُصمَت.
تقضي وقتاً طيباً معها.. تملأ أذنيها بدعواتك الصادق بالسعادة لأنها تستاهل كل خير.. تشاركها بعض القلق وتحاول ان تجيب على بعض التساؤلات.. تختلفان على أمور عبيطة وتتقنان فن الرخامة.. ثم تشتركان في النهاية في قراءة سورة هود.. وتوديع آخر إفطار في رمضان سوياً.. على صينية واحدة.. ومن طبق مخلل واحد..

 ----

مشهد خمسة:

متى سيتوقف الهراء عن الترجيع في فم العالم؟ 
أعيد قراءة ذاكرتي منذ عامٍ مضى.. أرى ابتساماتي تتلاشى تدريجياً.. وصراخي يعلو صمتي حتى أصاب بصدمة كتابية أتوقف فيها عن رثاء نفسي والعالم.. أجد بعض الأمل يتلاشى مع أول حدث كوني يلقيك صدفة في طريقي.. أضحك لأني لم أعد أشعر بكل تلك المأساة التي كتبت عنها ذات مرة.. تمنيت لو سمح لي الفضاء الإلكتروني بارسال ذبذبات أفكاري لتلمس أناملك فجأة فتكتب forgiveness.. فأعرف أنك لا زلت تسمع.. لكن ذلك الفضاء لن يفيد.. فبه الكثير من النفاق والسياسة والهراء على كل حال.
المزاج ليس بقدونس اوي لكنه مستقر.. وهذا ما يهم. 
الحياة توقفت حين نظر إليّ أبي للحظة وابتسم.. ربت على كتفي فانتقل كل ما يريد قوله بلمسه.. سعادته هي الإنجاز الوحيد في تلك السنة الزرقا.

----

مشهد سادس: 

أستلقي..
نافذتي لا تظهر السماء بشكل واضح.. لكن النجوم تمد أياديها لتصل إليّ.. 
النسمات الباردة هي كل ما أملك من حطام العالم وحطام نفسي.. عقلي لا يكف عن الدوار والتساؤل.. يبحث عن وجهٍ ما لم يعرفه بعد.. لكنه يحاول باستماتة أن يراه.
الخوف.. في محاولة ما لصنع هدنة مع الأمل يقتل الخذلان.. فلا يبقى سوى أمل حذر.
وهم الحب يختفي تحت وسادتي.. سأظل في غيبوبة المشاعر تلك حتى إشعار آخر. 
أوربما.. إنقاذ آخر.


.
.
.

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....