2014-09-29

شبّاك إزاز..




وجهي، يشبهُ قطعة ثلجٍ على وشك الذوبان، يمتلئ ببثور تشبه تصوّري عن بعض الأشخاص على وجه الأرض، أتذكر وجهه الحيادي فتنتفخ أجفاني ببكاءٍ مكتوم، أستسلم لحقيقة الأمر وأتجنب مواجهته كلّ يومٍ في المرآة، أغسل وجهي مراراً بمياهٍ ساخنة علّه يذوب، ويختفي. 

أقرأ لإيمان مرسال، فتنتابني رغبة ملحة لكتابةِ قصيدةٍ عنك، عن رأسي الممتلئة بأشباحك تبتسم إليّ -دائماً- بازدراء، ثم أقرأ لدرويش فأتذكر حزناً خبأته بحرصٍ تحت جلدي، فأفترش أرضاً تمتلئ بصورٍ مختلفة عني، لم تعد تشبهني بعد الآن.

يوماً ما سأحكي عنك، لحيتك التي تشبه ذكرياتٍ متمردةٍ على قوانين الإزالة، تستعصي على الشفراتِ الحادة، عينك المختبئة بحرص، تحت واجهةٍ زجاجيةٍ للقسوة، وابتسامتك التي لا تصلح لصناعةِ قوس قزح، بل تشبه مطراً صيفياً يباغتني وسط الصخب والجفاف، دائماً. 

كان يمكنني أن أصيرَ قدّيسة بسهولةٍ بالغة، أوزّع أزهاراً بيضاء على المحرومين، وأصنع كعكاتِ حب دافئة لا تصلح سوى لشفتيك، لكنّي توقفت عن الإدعاء، خلعت عنّي ردائي الطويل، وارتديت ثوباً ضيقاً، يشي ببياضِ جسدٍ اعتاد الإختباء وادعاء الخجل، دون أن يستحي فعلاً، وقفت أمامك، غاضبة، باكية، وشهيّة.

كان يمكنني أن أخبرك ببساطة أن قلبي ممتلئ بالكنوز التي تحتاج لأناملك السرية كي تكتشفها كلّها، ولذلك ربما لا أسمح لأحد باللإقترابِ مني، لكني تركت نافذتهُ على مصراعيها -عمداً- كي تختلس النظر، وتكتشف بنفسك فقري المخبأ بعنايةٍ وسط أكوام من الندم.

كان يمكنني أن أحبك كما تقول أميمة -أكثر-، وكما تغنّي فيروز بعشق، لكني ظللت أردد "أنانية، وحقيرة" واختبأت وحيدة أعض على أناملي، وأبتلع دموعي مراراً، وأرى ثقباً شديد الظلمة آخذ في الإتساع..
لكنّي تركتُك كعادتي، وحيداً.

كنت أريد أن أكتب الشعر حتى أعدل عن استخدام ضميرٍ للغائب، يشير بإصرارٍ إليه، كنت أريد أن أضبطه ملتبساً، يرى الأسهم تشير إلى الإتجاهاتِ كلّها، فأضحك لأني أكتشفت غباءَه ببراعة، لكني ظللت أكتب على سطرٍ واحد، وأكرر الحروف فتسقط المعاني بين يديّ الجميع واضحة، وقحة، ومباغتة. 
وظلّ هو -كعادته- يتعثّر ولا يعرف أين يمكنه أن يقتلني ببطء، دون أن أكشفه. 

لم أكن أدرك -حين امتلأت عينها بالدموعِ فجأة- أن البكاء يمكنّه يؤذيني بتلك القسوة، كنت أردد باستياء أني قبيحة، حين كانت تحكي عمّا بها دون أن أمتلك الشجاعة الكافية لأن أقطع حديثها وأسألها كيف يمكننا أن نمتلك أرواحاً بذلك الثقل، وقلوباً كقلوبنا، منكسرة دائماً، لكن الحائط كان صلباً، وبارداً، وبدا كأنه أنسب مكانٍ يمكنني أن أترك رأسي فيه دون قلق. دون أن يؤرقني التساؤل ثانية.

وصلتُ إلى هنا، هنا حيث البدايات تبدو ساذجة وسخيفة، محمّلة بنتاجِ عامٍ ونصف من الدوران الذاتي والدُوار، وصلتُ أخيراً، حيث أدرك أني لم أكن يوماً مقاتلة، ولا أصلح سوى للكلام، ولذلك ربما أعود دائماً إلى ذلك الثقب الأسود، هنا، هنا نفسها، هنا الأبدية. 




2014-09-22

وخبيني ما تخبيني..


عزيزي فسدق. 
تحية طيبة وبعد.. 
فاكر كاثلين كيلي وهي بتقول إنها بتـ get lost in words في كتاب ما وعشان كده قرته متين مرة أو أكتر؟ أنا بجيت لوست زيها، بس مش ف الكلام بس، ف الناس، والتفاصيل، والونس. 
ماما، لما قالتلي حقك عليا وأنا بحكيلها عن وجع مستخبي جوايا بقاله كتير، و طبطبة إيدها، دينا وهي بتصوّر، والنور اللي بيبقى طالع من عنيها لما الصورة تطلع حلوة، دينا بتصوّر بقلبها، وغادة بتغنّي ساعات، والصوت مش بيبقى طالع من أحبالها الصوتية على فكرة، هو طالع من نقطة صغيرة محدش بيشوفها غير شوية ناس صغيرين، بتحب تبوسهم على خدودهم، أو تبوس روحهم. 
فاكر لما كنا زمان بنمشي وبندوّب الوجع في ذرات التراب اللي بتترمي ع الرصيف، وبيطيرها الهوا كل شوية؟ طب فاكر أول مرة كتبت حاجة كانت ف حب مين؟ ربنا أيوا، فاكر مدرسة الرسم بتاعة ابتدائي لما جمعت رسوماتي كلها وحطت جنبهم صورتي وعلقتهم ف المدرسة، وبنت عمي لما راحت المدرسة نفسها بعدها بكام سنة قالتلي لوحتك لسة متعلقه لحد دلوقتي، وبشوفها وأضحك. 
عارف الناس اللي زهقوا ومشيو واللي زهقوا وفضلوا مستنيين الفرج يخبط على باب قلوبهم، الصبر وهو مستخبي ف حضن حد من اصحابك، والضحك اللي بتلملمه زي ما بتلملم الياسمين من ع الأرض كل يوم بليل، عارف الزرع، والحلم اللي شوفته معاه وهو بيقولي "هما كلمتين واتقالوا مرة، أنا بحبك."
مبقاش عندي حاجات حلوة كتير زي زمان، ويمكن لما مشيت خطوتين ف سكة عرفت إنها هتضيق بيا ومش هعرف أرجع، وعرفت قيمة شوية المعافرة والعياط اللي بييجوا وقت ضيق، ندى وهي بتقولي مفيش حاجة تستاهل، وهي بتقولي أنا مش عارفة أنا بعاملك زي عبير كده ليه، ندى لما بتبقى حلوة وعنيها بتوعد كل الناس بحب.
مش هعرف أجيب سيرة كل الناس اللي بحبهم هنا، اللي بيعرفوا يدخلوا من غير ما يخبطوا ومبعرفش لما أشوفهم مضحكش وأنفض شوية الحزن اللي مركونين ونحكي ف أي حاجة عبيطة وننبسط. مبقيتش بكتب حاجات حلوة وبقيت بعك ف الكلام كتير، مبقيتش بعرف أركز مع حد وأفهمه قد إيه أنا موجوعة عشان الحيطة اللي كانت بتشيل عني هم كتير اتهدت من كتر الضرب، لما بحكي عن حاجة وأكتشف مدى الضرر اللي جوايا واللي بعافر عشان أصلحه، مش أخبيه. 
مش بعرف أعاتب عشان العتاب بقى بيسيب علامات وخرابيش كتير، بقيت بعمل زي القطط لما تبقى محتاجة الدفا تروح تتكلفت مع صاحبها جوا البطانية أو ف حجره وتنام من غير ولا كلمة، من غير حتى ما تبصله، وبيبقى كفاية إنه يلعب ف فروها ويغنيلها عشان الدفا يبقى بزيادة شوية كمان. 
ريحة الفل لما بيفتّح بتبقى حلوة، بحس ساعات إني ممكن أشيل الزرع معايا وطول ما أنا ماشية أخلي الناس تشمه عشان شوية الحب اللي فيه يتوزعوا واللي كان شايف حاجة وحشة ينساها ويسبح ربنا، عشان جميل، وجماله ف خلقه بيشاور عليه واحنا مش بناخد بالنا. وبننسى. 
كنت ف يوم بسأل ربنا وبقوله هو أنا مش بصعب عليك لما تشوفني كده؟ فترد السما عليا وتفكرني "دعوني وعبادي، لو خلقتموهم لرحمتموهم"، بص، أنا عارفة إن فرجك بيبقى خطوة واحدة بعيد عني وأنا اللي بقف وأقولك فين، متزعلش مني طيب، أنا عارفة إنك بتشوفني كتير وبتضحك لما أتلخبط وأنا بدعي وأقولك ف الآخر انت فاهم بقى، بكتبلك كتير، ولما بجزع أو بتعب بيبقى قلة صبر. خليني بس هنا ومتسيبنيش لوحدي كتير. 
فيروز بتغني اليومين دول برقة، لو كنت بتسمعها كنت عرفت إني بقلبك بتخبيني، وممكن تعلق الغيرة على عينيي، بس انت مبتسمعهاش. 
عزيزي فسدق، ممكن تقولهم ميزعلوش، أنا مش بعرف أطبطب بس بعرف أحضن. ممكن تيجوا وأحضنكوا كلكوا وننط من فوق السور سوا، يمكن نلاقي أرض خفيفة تشيلنا من غير ما نخاف نقع. 
:)


2014-09-18

غَيْث.


كنتُ أريد وصف الصداع النصفيّ المزمن..
كدليلٍ وحيد
على أن العمليات الكيميائية في مخّي الكبير
تسيرُ بشكلٍ منضبط.
كنت أنوي أن أبدأ: 
يداي لا تكفيانِ لإسناد رأسي.
لكنّي كتبت:
أن تمزق طلقة من مسدسٍ مجهول
استقراراً معتماً
تشوّش عظيم
تصدُّع
وارتطام شظايا ليس بينها سابقُ معرفة..
اللّذة أيضاً..
أن تنتفض مواضِعُ الإحتكاك بمجرد التذكُّر.

تباغتني إيمان مرسال من اللامكان، وسط الكتب المتزاحمة فوق مكتبي، القراءات المؤجلة والأخرى الحتميّة، بين كلّ شئ، أرقص معها في ممر معتمٍ لا أرى فيه موضع قدمي، أغفو دائماً لأرى مسوخاً ترتدي السواد وترقص هي الآخرى، بوجوهٍ ضاحكة وعيونٍ متربصة، فأرسم لأتخفف من الصداع والضجيج.
لا أكتب، لأنه سيبحث بحرص بين الكلمات عنه، وقد يمسك بجملة هاربة من النص تخبره أني لا زلت أذكره وأتألم، وبالرغم أني أعرف كيف يمكن أن أكتب دون أن يتمكن أحد من قراءتي، إلا أنني أخجل من نفسي، ومنه، فأصمت. 
لا زلت -بدأبٍ- أبحث عن سعادة، ويصر الجميع على إثباتِ أنها محض اختيار، فأختار بحرصٍ، متناسية ماضٍ من الإختيارات السيئة، وتاريخ طويل من الخوف والضجر، أختار بحرص أن أظل في مساحةٍ صغيرة دافئة، تبعد عن الجميع بنسبٍ متساوية، تمتلئ بأشيائي العبيطة، وألواني المتضاربة، والكثير من الموسيقى والكتب، ظللت أحاول الإختيار بحرص، بين أمور تصير رمادية ما إن تقع عليها عيني، فألجأ إلى العقل لحساب نتاج السعادة من بينها، دون إهتمام حقيقيّ، ودون أن أشعر بفرق فأظل أمضي إلى الأمام ولا أفكر، ولا أبحث عمّا قد يقع مني سهواً، لذلك كانت تبدو الإختيارات كلّها مريحة، ومتساوية، ولذلك -على الرغم من كلّ شئ- بكيت.
قد أحاول في تمرينٍ كتابي قادم وصف ضيق التنفس كما حاولت إيمان وصف الصداع النصفي المزمن، وأكتب كيف يدفعك شعور بالثقل إلى رغبةٍ ملحة لنزع جلدك البالي والقفز من مرتفع عالٍ علّك تعرف طريقاً إلى الهواء، أو يعرف الموت طريقه إليك.
ثم تنتفض مواضعُ الإحتكاك، بمجرد التذكَر.
تجلس أمي قبالتي، بهدوء لم أعتده، لا تقاطع صمتي، ولا تحاول، تخبرني فقط بأنها قد يئست، ولم يعد في يدها أي حيلة، أبتلع صمتي بصعوبة، وأحاول أن أنطق، فلا أجد الصوت وتختفي الكلمات كلّها فجأة، صحراء جرداء، حارّة، بلا ظلٍ يقيني ويقيها بُعد المسافة والألم، وبلا قطرة مياهٍ واحدة، تصير هي هاجر، عجوزٌ تائهة، وأصير أنا كما أنا، بلا نبوّة أو كرامة، لا شئ يتفجّر تحت قدمي سوى المزيد من البكاء، والعطش. 
تحتضنني بشدّة، وتنتظر.. ودائماً ما تُمطرُ في النهاية.


This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....