2014-08-30

تمرين كتابي - 4


لا شئ يبدو مهماً بالنسبة له، فقد كلّ أسنانه، وارى زوجته التراب، وبقى وحده في دارِ للمسنين، يلعب كلّ يوم طاولة ودومينو مع باقي النزلاء، يعجز فجأة عن تذكر أي يوم من الأسبوع هو، لكنّه يظل يكتب الشعر ويتندر بأن أحمد رامي  سيموت كمداً حين يقرأ قصائده العبقرية، زاره أحد أبنائه ذات مرّة، ترك للدار بعض النقود الباردة، قبّله على رأسه ومضى، يتحدث كثيراً بالمناسبة، لا يمكنك أن تتخلص من أفكاره التي تندفع رغماً عنه طلباً للصحبة، يكره الوحدة والملل، ولذلك ربما لا يمتلك مسبحة كباقي العجائز يعد بها الدقائق بانتظار الموت، بل إنه يخرج أحياناً دون علمهم ليعاكس البنات الحلوة في الشارع، يشتري بعض الزهور ويجلس بانتظار حافلة توصله إلى البحر، وحين يجدوه أخيراً، يضحك لأنه لم يعد يذكر أغنية وردة التي شغلت بها عبد الناصر وقت النكسة، ويظل يعدد معهم أسماء من ماتوا في كتيبته، وكيف أنه استطاع أن يباغت العدو بطلقة اخترقت رأسه وقلبه في آن واحد، الكثير من الخطوط ترتسم على وجهه حين يضحك دون داعٍ، وشيب رأسه يزداد بياضاً حين يغازل الممرضة ويطلب منها أن تطفئ الأنوار لأنه يحب أن يبكي دون أن يراه أحد، ثم يعاتبها لأنها أطاعته وهي تعرف أنه يكره الظلام. 

الله كبير، ترددها فيروز في حلاوة، فتهتز رأسها وهي تدندن معها في راحة، لا تزال جميلة، شعرها بني قصير، وعيناها ناعسة دائماً، ترتدي بيجامة مفتوحة لتسمح للهواء بملاطفة جسدها الأبيض، تتذكر حين كانت تقف عاجزة عن الحركة والحياة، الغرفة المظلمة الضيقة، البكاء اليومي، الطعام القليل والشاب الذي كانت تحبّه صمتاً وخذلها، الجامعة ومحاولات إيجاد عمل، أبوها الغاضب وزوجة أبيها الماكرة، المشي الطويل لتخفيف الحزن والوجع، تذكر كلّ ذلك وتضحك، تقف في شرفة صغيرة، تطل على شارعٍ محدود، خالٍ من الضجيج رغم امتلاءه بالناس، بائعوا الونس والخضار، عربة الفول الصباحية، وأطفال يحاولون الإمساك بكرة صغيرة تفلت من أرجلهم دائماً، تمتلك طفلين، وزوج قصير، وراديو يبث أغنيات لفيروز دون انقطاع، يحبّها كثيراً أيضاً، ويحب أن يقبلها كلّ مرة تصنع فيها كوباً من الشاي المثاليّ، وتحب أن تجلس عند قدميه في دلال، تتنائر الصور على حائطٍ بالداخل ممتلئ بالوجوه الباسمة، تسميه حائط السعادة، وتعلق في منتصفه آية كتبت بخطٍ كبير منمّق، تسقط عليها الشمس عصراً فتزداد جمالاً، تقرأها كلّ يوم سراً فيمتلئ قلبها بنورٍ خفيّ، نور لا يراه إلا من يعرف أنه "وإن تَعُّدّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا".

"تفتكر احنا ممكن نطير من غير ما نقع؟"، ينظر إليها، تلك التي لا تكف عن الأسئلة، فتجبره على التفكير في إجابة دائماً، إجابة غير منطقية لكنّها كافية لجعلها تسأل سؤالاً آخر، لم يكن يعرف أن يختبئ كلّ ذلك الحزن بداخلها، لكنّه يعرف أنه في نوبات البكاء العصبي القادمة سيمسك يدها ولن يرتبك، لن يبكِ، أو يسأل بعصبية "بتعملي ف نفسك كده ليه"، ينتبه إلى الطريق أمامه، يزيد من السرعة فيصطدم الهواء بوجهها المستند إلى النافذة، تغمض عينيها وتبتسم، يرى ابتسامتها فيسير بسرعة أكبر، لا يفكر، لا تتحرك أي إشارة في دماغه لتوقفه عن جنونه، لا شئ، هو فقط يتمسك بتلك اللحظة الصغيرة لتدوم أطول وقتٍ ممكن، يزيد من السرعة تلك المرة ليحاول الطيران فعلاً، يعرف أن احتمال الصدام وشيك، وبأن حادثة سيئة قد تقع، لكنه لا يهتم، يقفز إلى ذهنه سؤال أخير "هو احنا مينفعش لما نقع، نقع لفوق؟" يصطدم الهواء برأسه، يتخلل شعره القصير، يسري في أنفاسه الساخنة فيمتلئ بالضحك، يضحك حتى تدمع عيناه، فيتوقف، يحتضن يدها بين كفية، فتحركهما ببطء، ليصلا إلى شفتيها بهدوء، يتوقف الزمن دائماً هُنا، وهنا فقط، عند شفتيها، وللمرةِ الأولى يعرف أخيراً إجابة السؤال.


2014-08-23

السبت تلاتة وعشرين تمانية ألفين واربعتاشر

كل ما يأتي محض هلس، آه والله. يلا سلام
هو يوم آخر، ليس له أي قيمة سوى أنه مزنوق وسط جدول مذاكرة رتيب، يتضمن الكثير من الجهد وضبط النفس عشان نلحق نخلص، استيقظت بسبب ذبابة رخمة ظلت تصدر أزيزها المزعج حولي، وحلم سئ آخر يتضمن شحاتين يمسكون بي في إصرار لأخذ اللي حيلتي من النقود، ظللت أحاول التملص والصراخ لكن أحداً من المارين في شارع عمر بن عبد العزيز المزدحم لم يلتفت لي، لم يبق سوى خمسة جنيه تكفي لتاكسي يروّحني، لكنّهم أخذوها على كل حال، حاولت الهرب ثم تحوّل المشهد فجأة لمقطع من فيلم البؤساء الأخير، حيث ظللت أغني بصوت مكتوم وأنا أبكي، يلعن أبو ده لا وعي يا جدعان، يوديني مرة داعش ودلوقتي فرنسا ما قبل الثورة، أقوم وأمري لله وأحاول أن أجد دافعاً جديداً لاستنفاذ الأنفاس الباقية لي هذا اليوم. أحسب الساعات والدقائق، كتير كده كتير، كم المذاكرة محبط خلقة، أتذكر أن الكسل والدهون تتراكم تحت جلدي فأحاول أن أقفز مؤدية تمرينات صباحية عشوائية، ضحكت على شكلي وجهزت لي فطار وقعدت..
المهم في هذا كلّه أني أخذت أعدد الأسباب التي قد تجعل مني زوجة مفيدة، أولاً أنا بحب المكوى جداً، لن أتململ حين يلقي في وجهي بالقميص بتاعه ويقولي اكويه بسرعة، أحب سخونة المكواة وقوتها في فرد كل ما يمكن أن يتكرمش، دليل آخر على أن شخصيتي إصلاحية بحتة، ودليل آخر على أني أصلح لأن أكون ميكانيكي وببراعة. 
ثانياً، بحب غسيل المواعين، آه والله، الصابون والنضافة، أشعر براحة حين أعيد كلّ شء إلى مكانه، تنظيم الأطباق، الأكبر ثم الأصغر، ترتيب الكوبايات زي ما كانوا بقعدونا ف الفصل الطويل ورا والقصير قدام، تنظيف الحوض وترك المياه تنساب دون أن يعلق بها أي شوائب، على الرغم من أني مبساعدش أمي كتير، بس أنا بحب الحاجات دي.
ثالثا، نشر الغسيل، هوايتي المفضلة في أوقات الفراغ، لا أعرف بالتحديد مالذي يستهويني في هذا الأمر لكنّه يريحني كثيراً، تستغل أمي هذه النقطة دائماً وتدبسني في الغسيل بحجة إني أفوق من المذاكرة، وعادة ما تنجح في استغلالها. 
رابعاً، الطبيخ، مجربتش قبل كده أتعمّق فيه بس أنا عارفة إنه فن، والأهم من أنه فن هو أنه بيتاكل، أحتاج فقط إلى تعلّم بعض الأساسيات ووقت فراغ كافي لإجباري على فعل شئ مفيد بجانب التحديق في سقف الغرفة. 
المهم هو أني أجد صعوبة في فتح الكتاب، وتظل تلك الخلايا الرمادية المزعجة ترسل إشارات عصبية ملهاش لازمة إلى جميع أنحاء دماغي، فتصنع مهلبية من الأفكار ستحتاج إلى موضوع أكبر من ده عشان تتصفّى، ده غير إن فكرة الجواز صارت غير مريحة بالمرة، وأن أبويا مش بيقتنع بيا ف أي حاجة، منذ أن سألني سؤال طبي آخر مرة وقولتله معرفش، أراقب عمّال البناء في الجهة المقابلة وأتمنى لو كان ينفع أقعد ف البتاعة اللي بيطلعوا فيها الأسمنت لفوق دي، أنا عايزة أروح ملاهي، هسافر يومين وهضيع وقت، لازم أذاكر بقى، لازم أبطل آكل برده، هو أنا هفضل ف الفضا ده كتير، ينفعش الكتاب ده يخلص لوحده طا؟
على العموم أعرف طرق مفيدة أشبه بصنع خرم في نافوخي لإخراج كلّ شئ بصورة دورية لكنّها تستهلك الكثير من الوقت والطاقة، لذلك تبدو الكتابة حل يسير، وسهل، لذلك لن أجد حرجاً في أن أخبركم أني زهقت، وبأني أخطو بخطاً ثابتة بعيداً عن الراحة وبعيد عن ربّنا، أصلاً أصلاً كارما دي جزمة، وبتثبت إني مهما حاولت أدور على إجابة مش هلاقي، أعرف أني أخطأت وأحمل تبعات أخطائي كلّ يوم، أذكر نفسي بها كي لا أنسى، وأحاول أن أسامح نفسي أيضاً، لكن المحاولات بائسة وفاشلة، عدت إلى الزرع بتاعي، لا تزال الميتوكندريا تعافر لأجل البقاء، الثانية عشرة والنصف ظهراً، لسة فاضل شوية على الجنان يا مُنى، سأغلق هذا البتاع وأقرأ لعز الدين شكري فشير وأسمع كولدبلاي وربما أرسم ظلاً وأملؤه بالنجوم وأنا أغني cause you're a sky full of stars..
الدعا حلو، أتذكر نفسي منذ سنين مضت وأعرف أن التغيير قادم، وحتميّ، لم أعد أهتم إن كنت أصير للأسوأ، أحاول أ embrace my imperfections وحين يلقي أحدهم في وجهي بإني ضعيفة وهبلة لا أغضب، أعرف ذلك تماماً، توقفت عن وضع المبررات لما أفعل، ألمس حواف ثقوبي كي أعرفها بدقة، ولا أهتم لإصلاحها أيضاً، صرت أكره التجمل ومحاولات خلق فرص أفضل للظهور، أنا فوضوية وعبثية، وليس لدي أي رغبة في إظهار عكس ذلك أو إخفاؤه، هاوس ترك أثراً بعقلي يجعلني أراه وهو يوبخني كلّ مرة أهم بتبرير ما فعلت، أو كل مرة أنكرت حقيقة بداخلي، أصفع عقلي وأنا أردد بطريقته you moron، وأجلس على حافة السب كونشس واضحك. 
أتذكر ريهام وهي تكتب عن البنت اللي مليانة ديفوهات، أنظر لسنتي المكسورة وأبتسم، أبدو بلهاء، لكنّي - سيربرايزنجلي- مبسوطة كده!

2014-08-20

تمرين كتابي - 3



هل تذكر المرة الأولى التي أخبرتك فيها عن نيفرلاند؟ مملكتي التي لا تكبر أبداً؟ لا تذكر. ولا أنا أيضاً. 
كان هناك حبّات رمّان ترقص كثيراً على موسيقى غجريين مجانين، أحب الغجريين كثيراً، بعيونهم الثاقبة الكحيلة، شعرهم المجهد ووسامتهم المبالغ فيها، أيضاً أحبهم لأنهم لصوص وقطاع طرق، يرقصون في كلّ مكان، ويشربون الكثير من العنب. 
مللت الكتابة عن أخطائي، ولم أعد أتذكر عن ماذا كنت أكتب قبلاً، حتى وقعت جنية في يديّ صدفة وطلبت مني أن أؤمن، لأن هناك جنية في هذا العالم تموت كلّ يوم، لأن لا أحد يؤمن، أو يصدق. 
خذلتهم جميعاً، ونفدت من جعبتي الحكايات. 
لكن لا يهم، لنبدأ من جديد. 

---

قد لا تراها عينيك جميلة للوهلة الأولى، فهناك سمرة تعتلي وجهها الصغير رغم كبر سنها، أنفها دقيقة وعينها ضيقة وسوداء، وشعرها متهدل وكثيف، وأسود، ليست حورية تائهة فهي ممتلئة، وطويلة، تصلح لأن تكون أماً مثالية، وجدّة حنون وخفيفة، ترفع ثوبها لتريك موضع الألم فتدرك أن ما يتراكم تحت جلدها الناعم ليس سوى الحب والحلوى. 
تمتلك خزائن ممتلئة بالفاكهة، والطعام، تصنع لك بطاطا حلوة كلّ صباح مضيفة ملعقتين من العسل، لتحيل يومك الكريه إلى بداية معسولة ومميزة، تنمو على حواف يديها زهور برية، سرعان ما تكبر لتغطي جسدها كلّه، فتصير رائحتها كرائحة بخور هنديّ لا تمل منه أبداً.
ورغم أن ضحكتها صافية وهادئة، إلا أنك ترى الحزن يعلو عينيها كل حين وآخر، خاصة حين تتساءل بشغف عن الملائكة، والرحمة، والنور الذي يعلو السماء فجأة فتسميه طاقة القدر، فتظل ترتل من الآيات ما يكفي ليروي ما بها من اشتياق، وتبكي حتى يخفت الحزن ويهدأ.
كانت تميل رأسي على صدرها وتضمني برفق، لتصنع من الفاتحة والدعاء غطاء شفيف يطرد أفكاري السيئة، وأحلاماً مزعجة تطاردني، أضحك كثيراً أيضاً حين تخطئ فتبدل الحروف مكان أخرى، فتطلب مني أن أظل معها لفترة أطول كي لا يضيع الـ "نوس" ولأنها تصير مثلي أحياناً، وحيدة.
قد لا تراها عينيك جميلة للوهلة الأولى، لكنّك حالما تغادر دفئها ستعرف أنها كانت تشبه الفانيليا، بيضاء، ومثالية.

2014-08-08

وإيه ف الدنيا بيتحرك؟ هه؟


you said sometimes I wish the sun didn't come out, at all..

لو حاولت أعد مصادر السعادة اللي حواليا دلوقتي، هيبقى صوت المزيكا اللي خارج من سماعة اللاب، الدقة الخفيفة لبيانو ف الخلفية وحركة إيد على جيتار، وصوته وهو بيقول just the good days، الياسمينة اللي وقعت ف البلكونة ع الأرض وخدتها، واكتشفت إنها ورقة واحدة هشة جداً، بتاخد يوم أو أكتر على ما تطلع، ونص ساعة بالظبط عشان تفتح، ويوم عشان تقع ويطلع مكانها جديد، الورق الصغير اللي بيبقى لسة هيكبر، الكام مليون mitochondria اللي حواليا وبيعافروا باستماتة، وبيعملوا اللي مبقدرش أعمله، الكتاب اللي أخدته من دينا امبارح، والتاني اللي خدته من سناء، والمصحف فوقيهم مستنيين المزيكا تخلص عشان أستخبى فيهم، علبة المناديل اللي جبتها احتياطي عشان البرد اللي خفيت منه خلاص، على أمل إن ربنا يكون شال بيه شوية حمل من عليا، والفيلم اللي شوفته امبارح، وافتكرتك.

Yeah it was cold out, yeah it was freezing down rain
yeah and it will let up if we all screamed for the change
yeah but you just stood there and you started to shake

 وبعد الهروب وجو السسبنس اللي عملته، مشيت من كل حتة واستخبيت، بقيت لما بقابل حد صدفة بحس معنى إن حد يوحشك فعلاً، فقد الضحكة اللي كانت بتجمعكوا حتى ف وسط كل الشغل والمشاكل، وعلى الرغم من كده ف آخر اليوم بفضل حاسة إنهم أحسن وأنا بعيدة، وجودي كان فادهم ف إيه؟ ولا حاجة، الفرجة على هاوس خلتني أتغابى وأبطل لف ودوران ومبررات ملهاش لازمة، أنا أصلا بعمل ده كلّه عشان مفكرش ومواجهش مخاوفي، عشان أقنع نفسي إن كده أريح لهم وأنا عارفة إني بريح نفسي، الدولاب بقى بيتملي حاجات مش عايزة أفتكرها بتفضل تتكوم لحد ما تطلع ف تصرفاتي وأنا مش واخدة بالي، يبقى حد محتاج مني كلمة حنينة وألاقيني بقوله كلام يزعل، عشان يفوق؟ عشان أنا زهقت؟ عشان إيه؟ معرفش، مين كان قال إن التغيير حلو؟ محدش بيتغير أصلاً، إنت بس بتتأقلم على المستجدات، بتعدّل ردود فعلك عشان تتناسب مع الظروف الحالية، وبتحاول متزعلش على حاجة ولا على حد عشان اللي باقيين عليك اتنين أو يمكن واحد، بتقنع نفسك إن مفيش حاجة هتفرق ومكانك ف منظومة الخلق مش هيتأثر لو انت مش هنا، كل حاجة هتمشي ف طريقها عشان انت كنت عامل زحمة ومفكر إنك هتعدلها وهتمشيها صح، وهي كده كده ماشية، وبتفضل تقنع نفسك وتزكن لحد ما تقف قدام فعل صغير وتافه من حد يوجعك، ويخليك تعيط عشان انت عارف إنك لوحدك، وإنهم كانوا فارقين، وإن حياتك واقفة مبتمشيش زي ماكنت متخيل.

you said it ain't the dark you're afraid of, it's the light.

 الـ chemicals جوا دماغي مملة جداً، واللاوعي عارف كل حاجة ومدكّن، عارف أنا ليه مش عارفة أشيل الـ snow ball من مكانها وأخبيها رغم إني شيلت كل حاجة تانية، عارف ليه بضيع وقت الصبح كلّ يوم وأنا بفكر هلبس إيه النهاردة، وليه بضحك عادي وبستنّى رغم إنهم دايماً بيمشوا، عارف ليه أنا قلبي اتقبض لحظة لما الرصاص طلع من بنادقهم ف الفيلم، وعارف ليه حسيت إني بتخنق لما الممثلين كلهم سكتوا، وليه دايماً بيخليني أحلم إني بموت ف حادثة والدنيا بتضلم جداً ومش بشوف ملايكة، عارف كويس أوي ليه لما النور قطع امبارح مقومتش من مكاني، مكلمتش حد رغم إني محتاجة حد جنبي، وليه مفتحتش المصحف عشان ربنا يكلمني، وليه ملوّنتش ولا كلت ولا حتى ولعت نور، وليه ضحكت لما ماما سألتني اذا كنت كويسة، وبرغم كل حاجة هو عارف إني بهرب وبتجنب الحاجات اللي مش لاقيالها حل، أو مش عارفة آخد فيها خطوة، وبيسيبني لحد ما يشوف آخرتي إيه، وأنا خايفة من اللحظة دي فعلاً.

and you said sometimes I wish the sun didn't come out, at all
yeah just the good days.. 
just the good days.

 لو جينا نعد مصادر البهجة اللي حواليا دلوقتي، هنلاقي منهم البيجامة الي مليانة ورد، علبة الدبابيس الملوّنة اللي بحطها ف كتبي، والورقة الصغيرة اللي حد كتبلي فيها "متتكسفيش"، والقلم والنوت و إزازة فيها مسك من ريحة خالي، وإني عارفة إن إيمان هتيجي بكرة وتقضي معايا يومين، وفراشة ملزوقة على المراية من تلات سنين فاتوا كان فيها حلم وفرحة، وشوية صبر أمي دايماً تدعيلي بيهم، وبس.

song: Joe Purdy- Good days*

2014-08-07

بلا ملامح..




أنتِ لستِ سوى أخطائك.

لستِ غريبة عن الألم النفسي .. أنتِ تعرفينه عن قرب .. رأيتهِ أكثر من مرة .. نبضكِ المسروق .. أنفاسكِ المبتورة .. بكائكِ المتقطع .. عزلتكِ الداخلية .. برودة قلبك .. وأعصابك المخدرة.

فقدتِ جدوى البكاء منذ وقت طويل .. منذ اكتشفت أنه لا يعيد لحظة سُرقت أو يعيد إصلاح ما فسد .. هو فقط يجلب لك نعاساً قهرياً .. هُدنة مزيفة من الألم.

لا تملكين الآن قلباً سحرياً .. ولا جناحات ملوّنة.

لديكِ ما يكفي من الوجوه المشوّهة والأحلام المكسورة .. لديكِ ما يكفي من الندم.

تزعمين أنك أقوى .. ثم تلقين باللوم والصراخ عليهم .. أنتِ ضعيفةً كفاية لتعجزي عن حمل نتائج أخطائك وحدك.

يلتفون حولك .. بعيونهم المتملقة وابتساماتهم المزيفة .. يملئون لك قدورهم حباً .. لتمتلئي أنتِ الأخرى زهواً وخيبة.

ثم تضحكين في سخرية على التواءات القدر.

تتناولي جرعتك المعتادة من الأمل .. تبحثين بين لوحاتك عن غدٍ أفضل.

تمنحي الوجود قطعاً من قلبك البائس .. ليتناوله الوجود مستمعاً باللذة .. غافلاً عن ثقوبه .. متغاضياً عن العطب.

ثم يبتسم راضياً.

داخلك هش .. وخارجك صلب .. ولا أحد يدرك الفرق.

تستمرين في لعبة النسيان .. محاولات خلق سعادة من اللاشئ.

تضعين أحلامك المكسورة كل ليلة في وسادة دافئة .. تغنين لها حتى تنسى حلمها الملون .. فتتوقف عن البكاء .. وتغفو.

ثم تتسللين إلى مكانٍ مجهول .. بلا ملامح .. فقط لتُبقى نفسك وحيدة. 

تنتظرين يداً تربت على كتفك .. تبحثين عن شعور مطمئن .. سلام بلا خداع أو جراح .. أو ألم.

لعبتك المفضلة صارت تعداد عثراتك .. تتركيها لتفترسك مرة بعد الأخرى .. ولا تنتصرين أبداً.

ثم تضحكين ثانية في سخرية على التواءات القدر.

تأخذين وجوهك المعتادة .. تبحثين بينها عن ملامحك المطموسة .. وحين يواجهك الفشل .. تنسحبين من المعركة .. تلقين كلمةً أو اثنين عن شجاعة المواجهة .. وحين يصفق لكِ الجميع .. تختفين وراء الستار لتأكلي قطعة أخرى من ذاتك .. ذاتك تلك المتهتكة.

كم أنتِ مزيفة.

.
.
.
.

(first written/ 22-12-2012)


2014-08-04

تمرين كتابي - 2

'Old green door' painting by Justin Clements

حائط ما، منسيّ في أحد زوايا شارع ضيّق، يتوسّطه باب عجوز، تساقط لونُه على مرّ السنين، يقف شاحباً ووحيداً، صامداً أمام خدوشٍ متفرقة في أنحاء جسده الخشبي، أثرٌ للطمةٍ غاضبة منذ عام، حفرة صنعها طفل مشاغب في الأسفل، اعتذارُ كرسي جديد أدخلوه عُنوة رغم ضيق المسافة، مسمار صغير علّقوا عليه أسماءهم بفخرٍ ذات مرّة، وخلل واضح يظهر حين يعجز عن التماسك، كانوا يعرفون أنه سيسقط ذات يوم، وسيستبدلونه بأبواب حديديّة تصلح للبقاء الطويل والصفع المتكرر دون أن تصاب بهِرَم، قد يستبدلونه الآن أيضاً، فأنين مفاصله المتهتكة الذي يزداد كلّ يوم يُعجزهم عن النومِ أحياناً.


كان حنوناً، كجدهم الذي لم يرَوه، لو رسم أحدهم له حاجبان كثيفانِ من الشعر الأبيض لضحك، أعادوا طلاء واجهته ذات مرّةٍ بالأخضر فحزن لأنه لم يكن يليق بلون مقبضه النحاسي، لكنّه اعتاد الأمر حين وجدهم يكررون أنه بابٌ أخضر من الجنّة، فاحتوى ضحكهم وأطبق حافتيه ليمنع عنهم عيوناً متطفلّة ورياحاً وشيكة، ووقف يراقب المارّة ويداعب الرياح، سعيداً.
احتضنته طفلة صغيرة في أحد الأيام، داعبت قدميه حين اصطدمت به وهي تحبو، ثم لامست يديهِ حين ازدادت طولاً وصخباً، ثم اختبأت وراءه باكيةً حين ازدادت عيناها جمالاً ونضجاً، اسندت ظهرها إلى ظهره فدغدغه شعرها الأسود المجعّد،فاحتضنها هُو، ومنذ ذلك الحين وهو يحمي أسرارها، ويشاركها خيباتها الصغيرة.
حائط ما، منسيّ في أحد زوايا شارع ضيّق، يتوسطه باب عجوز، ويجاوره كرسيّ قديم يشاركه الإنتظار والملل، أعلى الكرسي التصقت ورقة رُسم عليها وجه ما بألوان زرقاء متآكلة، أهلكها الزمان والغبار والمطر، ويدٌ متوترة اقتلعت نصفها السفلي، فلم يبقَ سوى أثر باهت لشئ ما، كان هُنا ذات يوم.. ورَحل.

2014-08-02

تمرين كتابي - 1


كانت مُهملة، كجوربٍ وحيد ملقى بعبثية في خزانةٍ ما، بلا فائدة، لأنها لم تكن تمتلك ما يكفي من الحب لتغزل نصفها الآخر.
منغلقة، كزجاجة مياهٍ تستعصي على الفتح، رغم أنّ حوافها ملساء ومميّزة، وداخلها هش، وواضح.
كشعاع ضوء تتسلل خلسة بين انحناءات نافذةٍ مُحكمة الغلق، لتسقط على عينيك أنت، وأنت فقط.
كانت أصغر مما ينبغي لتعرف أن الجدران آيلة للسقوط في النهاية، وأن الحضارات العظيمة قائمة على صراعاتٍ لا تنتهي، وكذبٍ منمق ببراعة. 
لم تفهم لم كان عليها أن تضحك رغم أن أيديهم كانت تمتد لتسرق من روحها حبّات العنب، فاختبأت لسنين طوال تصنع نبيذاً يخصها وحدها، وحياةً لا تمت لأحدهم بصِلة.
ولأنها أخف من أن يُثقلها حزن أو غضب، كانت تبكي، وتجمع حبات اللؤلؤ المتساقطة لترتديها عقداً، وتقف مكتملة وثرية في وجه فقراء الشعور، والحمقى. 
كانت تُحبّك كثيراً أيضاً.
لكنّها تُشبه أغنية قديمة، يعرفها قلبك بدقة الألحان، ويعجز عقلك دائماً عن التذكر.
كانت سعيدة، كنجمةٍ بعيدةٍ تلتقطها عينيك كلّ يوم وسط الزحام، تُضئ روحك المظلمة، فقط لأنها كانت -بِكَ- تحترق.

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....