2015-02-19

مِنبِسِط

ليسَ من العدلِ أن أكتب فقط حين أكون حزينة. أليس كذلك؟

صديقي المندثر تحت غطاءٍ ثقيل، كيفَ حالك اليوم؟ أعرف أنك مِنبِسِط، قضينا الأسبوع الماضي في التحضير لليوم وساعدتني كثيراً كعادتك في اللحظات الأخيرة، انتظرتُ حتى العاشرة مساءاً كي أخرج تلك الأوراق، والقصاصات اللامعة، والألوان كلها، وأنثرها حولي في محاولة لصنع سبب للسعادة يكفي كختامٍ مناسبٍ لأسبوعٍ فوضويّ كهذا، تلكأنا كثيراً لكنّي سعيدة لأنك نهضت رغم ضعفك، وبذلت من الطاقةِ ما يكفي لمنح بهجة دون مقابل. 
أحياناً أحب أن أتخيل أن طاقاتنا المبذولة في سبيلٍ ما من سبل السعادة تتحوّل إلى طائراتٍ ورقية، ملوّنة وكثيرة، تطير كلها إلى مدينة بعيدة لا يعرف أهلها الطيران، ولا يسكنها سوى الأطفال، الأيتام والمشردون وفاقدي الونس والأحلام، تحملهم تلك الطائرات الورقية لتجوب بهم عالماً لا نراه. أحب أن أفكر أننا بشكلٍ أو بآخر نصنع فارقاً ما، نكتب اسماءنا بعبثية فوق لوح لا يندثر مهما تعاقب الزمان، أنا ممتنة لأحمد الفاتح أيضاً لأنه أنقذني من صحراءِ عقلي، ولأنه يحكي لي كلّ يومٍ حدوتة جديدة.  

صديقي المحمّل بالكثيرِ من الخيبة، لن أدّعي أني أعرف الطريق، ولن أمد لك يداً ترتعش أناملها دون أن يلحظ أحد، أنا لا أجيد السباحة وسفن إنقاذي كلها محطمة، كما أني سأقضي نصف الوقت في تخيل ما يمكن أن يحدث لو ابتلعنا البحر وأنقذتنا الحوريات وقررنا البقاء بالأسفل حيث الأصداف والمرجان ينجح في إخفاء ثقوب روحنا الهشّة، سأوقظ بداخلك رغبة قديمة في الغرق، وقد لا يصلح غنائي حينها في صنع مراكب قوية، ستجد المياه دائماً طريقها للتسلل إلى أقدامك من لثغة تتكرر في الأغنية، لثغة ممضة لا يمكنني أبداً إصلاحها، لكني سأحاول لأجلك، وسأظل أرفع الدعوات إلى السماء كي تتخفف من أحمالك وترقص، ربما ينقذنا الرقص سوياً من الوقوع مرة أخرى في خيبة التساؤلات، و وجع الأحلام غير المكتملة. 
صديقي المرتكز على رئةِ مستهلكة، تتنفخ بهواء بارد ورذاذِ مطرٍ صباحيّ، الخافق بانتظامٍ، الممتليء بين الحين والآخر، والفارغ باستمرار، ألم يحن الوقتُ بعد، كي تسكُن؟


2015-02-16

غريبيْن..

أردتُ أن أحكي لك، عن الولد الذي صار أغنية مبهجة تليق بحضور الجنيات إلى العالم.
صديقي الذي بداخلي، كيف حالُك اليوم؟ لستَ بخير أعرف، أدركتُ ذلك حين هاجمنا البكاء في منتصف الشارع، ووقعنا في حب غريبٍ شارد، وعجوز يجلس في مواجهة الشمس على الرصيف، أُدرك كلّ يومٍ أكثر وكنتُ أظن أن الحكي سيشفينا سوياً، لكنّه صارَ مُثقلِاً، كعادة كل شيء هذه الأيام.
تركتُ شجرة التفاح للعطب، وتركتُك للموت ببطء.
الآن أحاول أن أكتب، أخرج الكلمات بصعوبة صدقني، لكني سأكتب رغم ذلك، كنتُ أجلس بجوارها اليوم وأحكي، لا أعرف متى بالتحديد فقدت القدرة على التماسك هكذا، شعرت بسخونة جسدي كما كان يحدث معه، كأن الكلمات سوط ساخن يضربني بعنف، رغم أني كنت أحكي دون خوف، أمضيتُ الساعة التالية أطرد ارتباك معدتي وبكاءاً كان سيكسب اللعبة في النهاية، شعرت بأن يداً تعتصر قلبي وتسحبه إلى الأسفل، وبأن كلّ ما أريده من هذا العالم الآن أن يحتضنني أحد بشدة ويتركني أبكي بصوتٍ عالٍ.
لم نبكِ. لأننا في مدينةٍ بلا أسرار، أو طرق جانبيةٍ صالحةٍ للبكاء، خاليةٍ، وآمنة.
صديقي، الذي لا أعرف متى يربت على كتفي، أو أضمه أنا في وِد حقيقيّ، لمَ كان علينا أن نفقد الأمل؟ أن نظل طيلة تلك الأيام الغائمة نختبئ تحت أغطية السرير، وسط مشاهد السينما المُعادة، والغناء الرتيب؟ لم تركتني هكذا دون أن تصرخ فيّ أن أفيقي؟ حاولتُ كثيراً ولا شيء يصلح لإعادة البهجة، لا شيء يصلح، فقدنا الأمل واستسلمنا لنومِ مُكتئب وفتورِ حياةٍ فقدت معناها، لفتورِ حياةٍ فقدتنا.
أنا آسفة حقاً أيها الصديق, 
كنت أريد أن أقول لكَ في النهاية أني لستُ سعيدة، لم أكن لوقتٍ طويل وأعرف تماماً أني كنت أتماسك بكل الطرق، كان البكاء حلاً يسيراً، أستدعي حزني فترد غددي الدمعية ببكاء يكفي لإبقائي على قيد التماسك حتى موعد النوبة التالية، وكنتُ أكتُب، فأظن أني أفرغ ما يؤرقني حتى أمتلء فأكتُب ثانية وهكذا، وكنتُ أضحك وسط ضحك الأصدقاء فأعصر قلبي الفارغ وأنفض عن وجهي الكآبة حتى تنفد ضحكاتي تدريجياً، لكني دعوتُ الله كثيراً ألا أبكي ثانيةً هكذا ولم أعد أبكي، وتوقفت عن الكتابة لأنها صارت تؤذي من يقرؤها دون وعي مني، أو منه، وبقي ضحك الأصدقاء وحده، حتى انفضوا عني واحداً بعد الآخر خوفاً على ضحكاتهم من وجهي العابس.
أنا فقط أردت أن أعتذر، آسفة حقاً لكل ذلك الضجيج الذي صنعته لك، كنت مخطئة أكثر من مرّة وتسبب ذلك بفقدانك الثقة فيّ تماماً، وفي تداعي ذلك الصمت المحبب بيننا إلى صمتٍ بارد، ونفور. أعرف أنك على الأرجح تظنني بالغباء الكافي لأتخلى عن كل ما أعطيتَ لي، ورفضته أنا مراراً، وربما تشعر بوخزة في القلب كلما مرّ اسمي أمامك، ولا أمتلك الشجاعة ولا المنطق الكافي لأردد أنه القدر وحده، لم يكن القدر السيد المطلق أبداً، ربما تكرهني الآن أيضاً، لكنّي أردتُ أن أقول لك في النهاية أني لم أقصد أياً من ذلك، أنا فقط لستُ سعيدة، ولهذا ربما كنتُ أجلب الشقاء لكل ما اقترب مني، ولذلك أيضاً، أغلقتُ أبوابي واختبأتُ خلفها.

لم تفلح محاولات الهرب، ولا زيارات الطبيبِ النفسي، عُدنا للمواجهةِ، أنا وأنت، عدنا للمحاولات وتلمس طُرق الحياة، منحتنا الأقدار وقتاً كافياً للراحة، أعرف أنك لا تقوَ على الحركة، لكنّي اشتريت اليوم أوراقاً ملوّنة، الآن نحن بحاجةٍ إلى صوتٍ دافيء يستمر في الحكي لساعات.. حتى نغفو.

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....