2013-12-24

محاوَّلة.


 

يسرا الهوّاري تغني "المزيكا ف المكان عالية وبالمظبوط" بينما يحاول هو إخفاء نظرةٍ غير معلنة الوجهة في عينيه.

أخي يخبرني أن والد أحد أصدقاءِهِ مريض، أسرع أنا لأساعده، أقف أمامهم مرتديةً قناعاً زائفاً لطبيبةٍ تعرف ما تفعل، القناع مثبت بإحكام مما يسمح بتكوين فوضى من القلق بداخلي، يعتذرون، الرجل عاجزٌ عن الحركة لكنه يصرُّ على الإبتسام، من يصدق أني أصلح للطب أصلاً؟ تخورُ قواي أمام ضعفه، يعتصرُ قلبي الوجع، وتتردد الإجابة المزعجة بداخلي: أبي يُصدق! 

لست أحد فقهاءِ الحب ولا أعرف عنه شيئاً، كل ما هنالك هو أني تعلَّمت زرع الأمل، حتى وإن كان منتهي الصلاحية، لا بأس ببعض الهدوء الذي قد يتسلل إلى نفوس هؤلاء المساكين ليريحهم من الحيرة والتساؤل، الله كبير، هو جامع ذرات قلوبكم الصغيرة، بأمرٍ منه يُكتبُ عليها التشتُّت، وبأمرٍ منه أيضاً تنعم بالإكتمال. فأحسنوا الوصالَ مع الله يصلَ قلوبكم بما تُحب. 
أما أنا، فلا أزرع أملاً بقلبي، لأن أرضه ممتلئة بسُّمِ الخوف، والظلامُ كثيف!

"أحبهُم جميعاً
لكنّ العتمة
تُغريني"
تقفز سوزان عليوان إلى رأسي دائماً، هي وصاحبة الرقص في ممرٍ معتم، وكل من يشاركهم صناعة الألم، أرفع دائماً عينيّ إلى السماء وأبكي، لماذا لم أمُت اليوم أيضا؟ 
توبّخني أمي، كنجمةٍ ستفقدُ ضوءها، وتزداد شحوباً.
يرمقني أصدقائي بنظراتٍ غاضبة، أتخيلهم يبكون، يصمدون، يتناسون، حتى يرأفُ النسيانُ بهم، فيمنحهم شفاءاً لكسورهم. فيبتسمون. 
وكعادتي أردد، أُحبهم جميعاً، لكنْ.. لم يعد أي شئٍ يغريني. 

لم أعتد نفسي مُقاتلة، لأني ذات مرةٍ قاتلتُ بضراوةٍ لأجلِ ما لا يستحق، فانتهيتُ بجروحٍ لا تزال تضخ الدم والوجع، ومتُ ذات مرةٍ .. كمداً.
 ولم أعتد الوقوفَ في المُنتصف، لأني ذاتَ مرةٍ ضللتُ الطريق فلم أسأل أحد، صادقتُ الضباب وحده وعرفتُ خداعه، ولم أعُد منذ ذلك الحينِ أبداً.
قد يضعك القدرُ أمامي يوماً ما لتطالبني بحقِّك في قلبي، ستنتظر مني انتزاع سيوفي وخوض حروبٍ معك بلا درعٍ، وستتركني حين تُعقدُ هُدنةً ما بنتظارِك في المنتصف، وأنا أخبرك الآن أني خائفة. لن تمتلك قلبي لتطالبني بحقِّك فيه، وإن فعلت، فلن أخوض حروباً أخرى بجروحٍ لم تندمل بعد، وإن فعلت، فلن أنتظرك أبداً في المنتصف!

كل ما أريدُ منك أن تمتلكني بقوَّة، شرط ألا تغلبَ قوَّتُك لُطفَّك فتمزِّق قلبي سهواً، وأن تُرَّغبني في خوضٍ النزالِ لا خوفاً ولا يأساً، بل حُباً في الموتِ معك، وأن تشُّد على يديّ أينما ذهبت، مداعباً وحدتي بدوامِ الوَنَس، كل ما أريدُ منك ألا تمَّل الرقصَ معي، ولنترك للحياةِ صُنعَ البُكاء والضحك، ولنترك للجميع شقاءَ الخوف والضَجَر.

أتعرف؟ أكرَّهُني كثيراً. 
 وأكتُب، فأكرهني أكثر!

الجميع يعيد ترديد ما كنتُ أقولُ لهم، فأصيبُني عمداً بالصمم، الكثير من الآراءِ المُتضاربة، وأنا لا أريدُ سوى أن أحبُّكَ، لا أريدُ سوى أن أُعطيك، لكنّي أن أخاف أن تتعثَّر يداي في الطريقِ إليك، أو أن ترُّدها خائبة. فألا لعنة الله على الخوف والحُب معاً.

سيّدي، قد تُحاوِّل.. ظناً مِنك أني أستحِّقُ عناءَ المُحاولة، وسأحاول جاهدةً أن أعيدَ إليك صوابك لأريحُك، لكنْ صدِّقني، إن حاولتَ لأجلي مرّة سأحاول مرتين أو أكثر، وإن أقدمت على القتالِ لأجلي فسأُفسحُ لك طريقَ المرورِ إليّ، وسأصنعُ لكَ لحناً فريداً يصلَّح فقط للرقص بعد إعلانِ النصر.  
  
ولتتذكّر دائماً..
 الله كبير، إن أحسنت وصالَّكَ به، وصلّك بما تُحب، وأرضاك به. 


2013-12-11

فليولع العالم ماطرح ماهو عاوز بقى!



وأكثر ما أكره بالشتاء هو انتهاء الشعور بالوقت، البرودة تترك أثراً بقلبي قبل أطرافي، أعجز عن الحركة وأختبئ في مكانِ ما بوسادتي، لا أمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة الرياح بأنواعها، وإن كانت رياح تغيير وقتية، ينكمش كل شئ بداخلي حد التلاشي، وينتهي العالم عند أركان غرفتي الأربعة..

فعل المذاكرة فعل مقيت إذا لم تكن تمتلك الشغف الكافي، ذلك الشغف الذي كان يدفعك سابقاً لإنهاء كتابٍ ما في يومٍ واحد، أو مشاهدة أكثر من فيديو لمايكل ذو اللحية الجذابة دون أن تشعر بالملل، أو حتى القيام بأنشطتك الصغيرة المفضلة والتي تُعد مصدر دخل سعادتك الوحيد.. حالة الركود تلك مُزرية، الإنهماك في أشياءٍ قد تكون مفيدة لكن خالية من المتعة أمر يسرق ما بقي في روحك من بَرَاح، أمواج مشاعرك صارت أكثر هدوءاً، ذلك الهدوء الذي يشي بلا مبالاةٍ تعجز أنت نفسك عن إدراك سببها لكنك على كل حال، لا تبالي.

 عادة ما تصير  مشكلة مزعجة، أن تظل الشخص نفسه طوال سنوات ثم يبدأ التغيير فجأة، لم تعد ذلك الصبور اللطيف المِهاوِد، ستفعل ما تراه صحيحاً ولن يزعجك تمرد من حولك، ستلقي بتراهاتهم في أبعد سلة مهملاتٍ في عقلك، ستمضي أياماً دون سؤال واحد منك عنهم، ستقابلهم بابتسامةٍ بادرة ولن تنتظر منهم دعوةً لفرحٍ أو مواساةً في حُزن، ستعطي العالم ما يستحق منك، وسيمتد جفافُ مشاعرك إلى نفسك حتماً، ستمعن في كرهها أكثر ولن يجد أحدهم الدفء نفسه بداخلك، حتى أنت!


أتعرفين، لا أمتلك أسباباً كافية كي أصير "كويسة"، لكني أمتلك أسباباً أكثر لأستمر في حزني الداخليّ، أن أسخط على الجميع دون استثناءٍ لأحد، وأن أبكي كثيراً حين يصطدم أحدهم بي رغماً عنه، وأن أدع مشاعري مهملة، راكدة كما هي دون محاولة مني لإصلاح أي شئ، فليولع العالم ماطرح ماهو عاوز بقى!

 أبي يرغب في الإنفجار ولدي رغبة مماثلة، لكني لا أستطيع أن أقدم حلولي العشرينية التافهة لرجل ف الخمسين من عمره يحاول جاهداً أن يتخلص من خذلان الحياةِ له برحيل عزيزٍ عليه، لا يمكنني أن أجذبه من يديه وأذهب به إلى ركنٍ فارغ من البشر والكائنات الحية لنبكي سوياً كالأطفال، لا يمكنني أن أشعل لديه رغبة في الرقص على إيقاع أغنية صاخبة، لا أمتلك حلولاً تصلح لحزن رجلٍ في الخمسين، ولا كلماتٍ تصلح للإستخدام، حتى قدرتي على إحتضان أحدهم بدفء عجزت عنه، سينتهي الأمر بي باكية على كتفه وهو يربت على ظهري بحنان ليخفف عني، سينتهي الأمر بي أستند كعادتي عليه كعجوزٍ فقد عكازه للتو، وسيقف حائراً أمامي أيظل في ثباته الصامد أم ينهار فنقع سوياً، انتهت أفكاري كلها حين نظرت إليه وعلى شفتي بعض كلمات المواساة الرتيبة فوجدته يمازح والدتي ويضحك..
اعتقدت أني لم أرث منه سوى بعض القدرة على النقد وفن الثبات في المواقف، لكني اكتشفت أننا نمتلك الضعف نفسه الذي نحاول مداواته جاهدين بالضحك. 

أنا حتماً لست تلك الصورة المنمقة التي أرى انعكاسها في عيون من حولي، أنا أحترف تكديس الفوضى فقط لا أكثر، أجيد صناعة الحلوى من بقايا حطامي وأترك كل ما لا يصلح لأي شئ بداخلي، أحمل دائماً جعبة ممتلئة بالوجع والأتربة، أجيد صنع الضمادات لأني عرفت بعض الألم، أمتلك قدراً لا بأس بهِ من الحيلة، لكني أكثر هشاشة وأقل صدقاً، مرآة ذاتي مصابة بصدعٍ لا يمكن إصلاحه، الندبة الأبدية بداخلي لن تلتئم، ستظل قابعة هناك لتذكرني كيف يمكن أن يمتلك كل منا نفساً أخرى غير التي نظهرها، كيف أن القيم تختبئ وراء الأفعال التي لا تخضع لإدراكنا، وكيف أن المعاني تجيد الظهور فقط في الظلام.

 ذات يومٍ في حياةٍ سابقة حضرت احتفالاً بفوزِ مرشحٍ للحزب الوطني بانتخبات مجلس الشعب، كان الحفل مبالغاً فيه بطريقة تبعث على الغثيان، انتبهت فقط على حوار كان يدور بمقربة مني يذكر أحدهم للآخر كيف أن ابنة المرشح ليست ذات مستوىً دراسيّ عالٍ، فردّ عليه الآخر بثقة بإن ربنا مبيديش كل حاجة، وقديماً قال الشيخ الشعراوي رحمه الله أننا جميعاً نمتلك نفس العشرة لكن بدرجاتٍ متفاوتة، فمنّا من يمتلك اثنين في الصحة، وثلاثة في المال، وأربعة في العيال، بينما يمتلك الآخر خمسة في المال وواحدٍ في الصحة، وهكذا، نتفاوت لكننا نتساوى في النهاية، وهكذا يمكنك أن تدرك اسم الله العَدْل.

ولهذا أخبرتها اليوم بثقة بأننا نمتلك نعمة الإبتلاء، بينما يمتلك غيرنا راحةً في الحياةِ وقلقاً في البال وغفلة، عجزٌ عن ذكرِ الله وإدراكِ عظمته، أو رحمته، هكذا أخبرتها أن تثق بأننا سنعيش حياتنا في كَبَد، لا بديل عن الوجع والسقوط، شرط أن نصل في النهاية إلى طريقٍ جديدٍ للوصال مع الله، طلبت منها ألا تخاف شرط أن يكون الخوف نجاةً من الخطأ لا غير، حاولت الإبتسام قدر طاقتي لأزيح عن قلبها بعض اضطرابه، وتوقفت عن المحاولة حين تذكرته وهو يقول "ومتى القلبُ في الخفقانِ اطمأن؟"

عزيزتي ميّ، كنتُ في حالةٍ لا تسمحُ لي سوى بمتابعةِ شرودك من حينٍ لآخر، وددتُ لو أخبرك بأن الله يرسل إلينا مصابيح صغيرة لتضئ جزءاً من داخلنا المُرهق، تمنيت لو امتلكت قارباً صغيراً وليلاً بنجومٍ كثيفة ورجل أحلامك الصارم، لأجعلك ترين الضوء أخيراً، ولتمكنا من غناءِ I see the light على الرصيفِ سوياً دون اكتراثٍ لأحد. هم لا يجيدون النظر إلى عينيكِ ورؤية الضوء.. they simply can't.

عزيزي القاطن ببلوتو، درجة حرارة كرتنا الأرضية انخفضت كثيراً إثر انعدامٍ في المبادئ، كان علينا أن ندرك أن البرد قادمٌ حين بدأ زحف الموت باتجاهنا، القتلى في كل مكان، والفساد ينتشر رغماً عنّا، قد تُخطئ وتوجه تليسكوبك إلى كوكبنا لتجد الكثير من الإهمال، القمامة لا تزال في كل مكان، في داخلنا أكثر من الخارج، الذباب يقضي وقتاً ممتعاً بينما تنعم الدببة القطبية بشمسٍ لا نراها سوى في كل عامٍ مرة حين يستفيق شعبٌ غافل عن سباته، لكن فيروز رحلت ورحل معها الأمل، واستمر العالم في رثاء مانديلا والضحك على أوباما وأنجلينا جولي، العبث هو سيدُ المواقف كلها هُنا، أنت تعرف ذلك مسبقاً، لكن ثق دائماً بأن الوضع ليس بذلك السوء، هكذا تخبرنا نشراتنا الإخبارية دائماً..
على كلٍ، أتمنى ألا يكون بلوتو قد ابتعد كثيراً عن نطاقِ مجرتنا الحبيبة، فأنت تعلم أن هناك على سطحِ هذا الكوكب ناس بيحبوك انت بالمجرة ببلوتو. 

---

تنويه 1: هذا الرغي الكتير ليس له أي إسقاط على أي حاجة، هوّ صوت Edith Piaf اللي بيعمل ف الواحد كده. 
تنويه 2: بلوتو انطرد من المجموعة الشمسية بقالوا عشر سنين، وأثبتت التجارب أن درجة الحرارة عليه لا تسمح بوجود أي حياة على سطحه، وده أكبر دليل على التنويه رقم 1.
تنويه 3: شكراً على انك استحملت مقدار العك ده، نهيب بسيادتكم قفل باب البلوج وانت ماشي، حاسب على شوية السقعا اللي برا يضيعوا حبة الدفا اللي هنا.  


2013-12-07

لكنها أخذت رائحته، ورَحَلَت.


 

تهتز، بحركةٍ مترددة، محدقةً في اللاشئ، الثقب الأسود في عقلها يبتلع كلّ الضجيج، تلمس روحها فتصطدم بخواءٍ مجهول المصدر، تستمر في اهتزازها المتردد، منسيّة، منزوية في أحد أركان غرفتها المظلمة، مستسلمةً لأرضها الصلبة، وهوائها البارد..

سيرحلون، تلك هي الحقيقة الثابتة، سيتساقطون واحداً تلو الآخر كما يحدث كلّ يوم، تودّع هذا عند مفترقِ طريقٍ ما، تحتضن الآخر بشِّدة قبل رحيله، وتلوح للآخرين بابتسامة من يعرف أنهم مجرد مارّين مؤقتين، ولن يكونوا دائما هنا على أي حال، لتصل في النهاية إلى عتبة منزلها دونَ رفيقٍ واحد، دون رثاءٍ من أحد.

سيقطع القدر طريقها به ويتركها تختار، وعلى كلٍ ستمضي وحيدة، بمنطقٍ مختل عن الأشياء، بوجعٍ في الروح لا يداويه سوى الصمت، وبذاكرة لا تذبل أبداً.

--
النوت دايماً بتتفتح وتتساب فاضية، العجز عن الكلام بيزداد ويتشعّب، رغم إني النهاردة اتكلمت كتير، بقيت بخاف أنام من غيرها، و الأحلام السيئة صارت عادة مضجرة، عارف، مش كل الناس هتستحمل كلامي، عاوزة أحط نفسي ف ركن صغير وأعيط براحة زي زمان، بس انا مش عايزة أعيط لوحدي.

للمرة التانية أعدّي على بتاع الورد وأقول هجيب لنفسي وردة، بس ف الآخر بأقف ثانيتين بالظبط، وامشي. 

كان علينا أن نكون أكثر صلابة، أكثر قدرة على تقبّل الواقع بمساوئه وعثراته، لكنها الهشاشة، من سرق منّا داخلنا وتركنا بذلك الضعف؟

الألم يأكلني كلّ ليلة، أو ما بقي مني على الأرجح!

لن أقول إني منيح.. أبداً!

أنا عايزة أبطل خوف من اللي جاي، عايزة أتعلم أتفرج على أفلام الرعب عشان مخافش من الضلمة، نفسي أعرف أحلم زي زمان من غير ما أخاف رقبتي تتكسر، عاوزة أحب حد من غير ماحبس قلبي جوايا وأقوله لا، عشان ميتوجعش، أقولك على سر، أنا خايفة حد تاني يموت وبقول ياريتني أموت الأول، بس أنا خايفة الموت ييجي ف لحظة جَزَع، أو لحظة غفلة، أو لحظة يأس.

لسّة زي مانا، عندي عطل في إدراك أي حاجة، أو يمكن رغبة ملحة لرفض الإدراك ذات نفسه.

--
فجأة مفيش حاجة ع بالي أقولها، أعتذر عن اللخبطة، 
بس.. ما عاد في مكان يساع. 

This title was intentionally left blank.

صديقي الأزرق الصغير، ألم تتلاشى بعد؟ أخبرني كيف كان نهارُك بعد تلك الليلة المضنية؟ ألا تزال ترفع عينيك إلى السماء و تصرخ بغضب؟ أعرف....